كتاب ففروا إلى الله - القلموني

قال بعض السلف في قوله تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]، قال: هو الذنب بعد الذنب.
19 - ومنها: أن الذنوب تُدْخِلُ العبد تحت لعنة رسول اللَّه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
20 - ومنها: حرمان دعوة رسول اللَّه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ودعوة الملائكة، فإن اللَّه سبحانه أمر نبيه بأن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ - رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ - وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر: 7 - 9].
21 - ومنها: أنها تحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
22 - ومن عقوباتها أنها تطفئ من القلب نار الغيرة ...
والمقصود: أنه كلما اشتدت ملابسته للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس، وقد تضعف في القلب جدًّا، حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره، وإذا وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك، وكثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح، بل يحسن الفواحش والظلم لغيره ويزينه له، ويدعوه إليه ويحثه عليه، ويسعى له في تحصيله، ولهذا كان الدَّيُوث أخبث خلق اللَّه، والجنة عليه حرام، وكذلك محلل الظلم والبغي لغيره ومزينه لغيره، فانظر ما الذي حملت عليه قلة الغيرة. وهذا يدلك على أن أصل الدين الغيرة ومن لا غيرة له، فلا دين له.
23 - ومن عقوباتها: ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب كل خير بأجمعه، وفي «الصحيحين» عنه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «الحياء خير كله». وقال: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم يستح فاصنع ما شئت». رواه البخاري.
والمقصود: أن الذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ربما انسلخ منه بالكلية، حتى ربما أنه لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ولا باطلاعهم عليه، بل كثير منهم يخبر هو عن حاله وقبح ما يفعله، والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء، وإذا وصل العبد إلى هذه الحالة لم يبق في صلاحه مطمع.

الصفحة 37