كتاب ففروا إلى الله - القلموني

24 - ومن عقوباتها: أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جلَّ جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد، شاء أم أبى، ولو تمكن وقار اللَّه وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه. ومن بعض عقوبة هذا: أنه يرفع اللَّه عز وجل مهابته من قلوب الخلق، فيهون عليهم، ويستخفون به كما هان عليه أمره واستخف به، فعلى قدر محبة العبد للَّه يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من اللَّه يخافه الناس، وعلى قدر تعظيمه للَّه وحرماته يعظم الناس حرماته، وكيف ينتهك عبد حرمات اللَّه، ويطمع ألا ينتهك الناس حرماته؟ أم كيف يهون عليه حق اللَّه ولا يهونه اللَّه على الناس؟ أو كيف يستخف بمعاصي اللَّه ولا يستخف به الخلق؟
25 - ومن عقوباتها: أنها تستدعي نسيان اللَّه لعبده، وتركه، وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهنالك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة، قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ - وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 18، 19]، فأخبر أنه عاقب من ترك التقوى بأن أنساه نفسه (¬1)، أي أنساه مصالحها، وما ينجيه من عذابه، وما يوجب له الحياة الأبدية.
فاللَّه سبحانه وتعالى يعوض عن كل شيء سواه ولا يعوض منه شيء، ويغني عن كل شيء، ولا يغني عنه شيء، ويمنع من كل شيء، ولا يمنع منه شيء،، ويجير من كل شيء ولا يجير منه شيء، وكيف يستغني العبد عن طاعة من هذا شأنه طرفة عين؟ وكيف ينسى ذكره ويضيع أمره حتى ينسيه نفسه. فيخسرها ويظلمها أعظم ظلم، فما ظلم العبد ربه ولكن ظلم نفسه، وما ظلمه ربه ولكن هو الذي ظلم نفسه.
26 - ومن عقوباتها: أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان وتمنعه من ثواب المحسنين ..
والمقصود: أن الإيمان سبب جالب لكل خير، وكل خير في الدنيا والآخرة فسببه الإيمان، فكيف يهون على العبد أن يرتكب شيئًا يخرجه من دائرة الإيمان ويحول بينه وبينه، ولكن لا يخرج من دائرة عموم المسلمين، فإن استمر على الذنوب وأصر عليها خيف عليه أن يرين على قلبه، فيخرجه عن الإسلام بالكلية، ومن هنا اشتد خوف السلف، كما قال بعضهم: أنتم تخافون الذنوب وأنا أخاف الكفر.
27 - ومن عقوباتها: أنها تضعف سير القلب إلى اللَّه والدار الآخرة، وتعوقه وتوقفه
¬_________
(¬1) وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء اللَّه تعالى عند الكلام عن نسيان العبد لنفسه برقم 42. (قل).

الصفحة 38