كتاب ففروا إلى الله - القلموني

ولا يتعلقون إلا بجمال زانه خلق وستر ودين. ونتيجة لذلك فإن العنوسة لا تشيع - في أعم الأحوال - إلا في الأسر التي شاءت أن تنفلت عن منهج الدين وحكمه وتربيته.
يا أختي المؤمنة: إن فيما أوضحته لك ما يكفي لإقناعك - بالمنطق السليم الذي لا التواء فيه - بأن اتباع شريعة اللَّه تعالى لا يضمن لك بلوغ مرضاة اللَّه فحسب، بل هو يضمن لك إلى جانب ذلك تحقيق أسباب سعادتك الدنيوية كلها. والسعادة ليست في تحقيق الخيال الذي تتصورين وإنما هي في واقع الذي يورثك الطمأنينة ويشيع في حياتك الارتياح والرضا.
أما وقد تبين لك كل ذلك، فقد آن لك أن تنهضي لاستجابة حكم مولاك العظيم، وأن تصطلحي مع اللَّه عز وجل بعد طول نسيان وتنكر له، فتتخذي من صراطه سبيلاً، ومن حبه شفيعًا بين يديه. دعي انتقاد الناس وحسابهم، فإن حساب اللَّه غدًا أشد وأعظم! ..
ترفعي عن السعي إلى مرضاتهم وتحقيق أهوائهم، فإن التسامي إلى مرضاة اللَّه أسعد لك وأسلم. ولسوف - تجدين - وأنت تعزمين على الرجوع إلى صراط اللَّه - من يحاول أن يرهق مشاعرك تخديرًا تحت وطأة هذه «التقاليع» التي أحاطت بك كما تحيطك خيوط العنكبوت بضحيتها الحبيسة، وأن يذكرك بفلانة التي كانت تبرز مفاتنها أمام الرجال، وفلانة التي كان لها [مكانها] الأدبي البارز بين الناس! ..
وأما أنا (¬1) فأذكرك بالحكم الإلهي الواضح، الذي نقلته لك بأمانة، وبهذا الحديث الثابت عن رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ يقول: «صنفان من أمتي لم أرهما قط: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة [أي كسنام الجمل] لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا». رواه مسلم والإمام أحمد.
ولسوف تجدين أيضًا من يذكرك بجمال هذه الدنيا ومغريات الارتواء من لذائذها وزينتها! ولكني أذكرك بخطورة عقابها، وجسامة ما ينتظرك من آثارها ونتائجها ..
أذكرك بيوم الدين، إن كنت قد آمنت بوجوده ...
أذكرك باليوم الذي يصدق فيه قول اللَّه تعالى وهو يخاطب طائفة كبيرة من الناس:
¬_________
(¬1) ما زال الكلام لفضيلة الشيخ البوطي أثابه اللَّه تعالى. (قل).

الصفحة 64