كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 1)

-[551]- 1132 - (اعبد الله) وحده حال كونك (كأنك تراه) فإن العبد إذا علم أن الله مطلع على عبادته وسره وعلنه فيها اجتهد في إخلاصه وإتقانها على أكمل ما أمكنه وليس في هذا ونحوه ما يدل على جواز رؤيته تعالى في الدنيا كما وهم (وعد نفسك في الموتى) أي اقطع أطماعك في الدنيا وأهلها واخمل ذكرك واخف شأنك كما أن الموتى قد انقطعت أطماعهم من الدنيا وأهلها واشهد مشاهد القيامة وعد نفسك ضيفا في بيتك وروحك عارية في بدنك خاشع القلب متواضع النفس بريء من الكبر تنظر إلى الليل والنهار فتعلم أنها في هدم عمرك ومن عقد قلبه على ذلك استراح من الهموم وانزاحت عنه الغموم (وإياك ودعوات المظلوم) أي احذرها واجتنب ما يؤدي إليها وفي رواية دعوة المظلوم بالإفراد (فإنهن مجابات) بلا شك لما مر أنها ليس بينها وبين الله حجاب وأنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة (وعليك بصلاة الغداة) أي الصبح (وصلاة العشاء فاشهدهما) أي احضر جماعتهما ودوام عليهما (فلو تعلمون) جمع بعد الإفراد إشارة إلى أن الخطاب وإن وقع لمفرد معين فالقصد التعميم (ما فيهما) من مزيد الفضل ومضاعفة الأجر وكثرة الثواب وقمع النفس والشيطان وقهر أهل النفاق والطغيان (لأتيتموهما) أي أتيتم محل جماعتهما (ولو) كان إتيانكم له إنما هو (حبوا) أي زحفا على الإست أو على الأيدي والأرجل يعني لجئتم إلى محل الجماعة لفعليهما معهم ولو بغاية المشقة والجهد والكلفة فكنى بالزحف عن ذلك ووجه تخصيصهما بذلك ما فيهما من المشقة كما مر
(طب) عن رجل من النخع (عن أبي الدرداء) قال الرجل سمعت بالدرداء حين حضرته الوفاة يقول أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وضعفه المنذري وقال الهيتمي الرجل الذي من النخع لم أعرفه ولم أجد من ذكره والمصنف رمز لحسنه وفيه ما ترى
1133 - (اعبد الله كأنك تراه) ومحال أن تراه وتشهد معه سواه وهذا يسمى مقام المشاهدة والمراقبة وهو أن لا يلتفت العابد في عبادته بظاهره إلى ما يلهيه عن مقصوده ولا يشتغل باطنه بما يشغله عن مشاهدة معبوده فإن لم يحصل له هذا المقام هبط إلى مقام المراقبة المشار إليه بقوله (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أي أنك بمرأى من ربك لا يخفاه شيء من أمرك ومن علم أن معبوده مشاهد لعبادته تعين عليه تزيين ظاهره بالخشوع وباطنه بالإخلاص والحضور فإنه {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} وفيه حث على كمال الإخلاص ولزوم المراقبة. قيل راود رجل امرأة فقالت ألا تستحي فقال لا يرانا إلا الكواكب قالت فأين أنت من مكوكبها؟ وقال العارف ابن عربي لو لم يبصرك ولم يسمعك لجهل كثيرا منك ونسبة الجهل إليه محال فلا سبيل إلى نفي هاتين الصفتين عنه بحال (واحسب نفسك مع الموتى) أي عد نفسك من أهل القبور وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل (واتق دعوة المظلوم) أي دعواته إذ هو مفرد مضاف (فإنها مستجابة) ولو بعد حين كما سبق
(حل عن زيد بن أرقم) ابن زيد بن قيس الأنصاري صحابي مشهور أول مشاهده الخندق رمز المصنف لحسنه
1134 - (اعبد الله ولا تشرك به شيئا وزل) بضم الزاي وسكون اللام من الزوال وهو الذهاب (مع القرآن أينما زال) -[552]- أي ارتحل معه أينما ارتحل فأحل حلاله وحرم حرامه وراع أحكامه ودر معه كيفما دار فإنه المزيل لأمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور والإدراك كفيل برد النحل الباطلة والمذاهب الفاسدة على أحسن الوجوه وأقربها إلى العقول وأفصحها وأنجحها وأنفع الأغذية غذاء الإيمان وأنفع الأدوية دواء القرآن (واقبل الحق) أي قوله وفعله (ممن جاء به من صغير أو كبير) أي من مسن أو حديث السن أو جليل العذر أو وضيع فالمراد الصغير والكبير حسا ومعنى (وإن كان بغيضا) لك (بعيدا) منك بعدا حسيا أو معنويا (واردد الباطل) بشرط سلامة العاقبة (ممن جاء به من صغير أو كبير وإن كان حبيبا) لك (أو قريبا) منك حسا أو معنى نسيبا أو غيره والخطاب وإن كان ورد جوابا لسؤال طالب للتعليم لكن المراد به العموم وفيه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن الوجوب لا يسقط لكون الآتي بالباطل حبيبا أو قريبا كالأصل والفرع والشيخ والسيد والحاكم والقاضي بشرطه
(ابن عساكر) في التاريخ (عن ابن مسعود) قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم علمني كلمات جوامع نوافع فذكره ورواه عن الديلمي أيضا باللفظ المذكور وفيه عبد القدوس بن حبيب الدمشقي قال الذهبي في الضعفاء تركوه

الصفحة 551