كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 2)

-[20]- 1221 - (أغنى الناس حفظة القرآن) والمراد بهم (من جعله الله تعالى في جوفه) أي سهل له حفظه عن ظهر قلب مع العمل به كما تقرر قال أبو إسحاق الدمشقي كنت أمشي بالبادية وحدي فإذا أعييت رفعت صوتي بالقرآن فحمل عني ألم الجوع حتى قطعت مراحل كثيرة
(ابن عساكر) في تاريخه أيضا (عن أبي ذر) الغفاري
1222 - (افتتحت) وفي رواية لعلي فتتحت بلا ألف (القرى بالسيف) أي بالقتال به (وافتتحت المدينة) طيبة (بالقرآن) لأن الجهاد كما يكون تكلف الأسباب والعدد والآلات المتعبة الشاقة يكون بتعلق القلوب بكلام علام الغيوب فجمع الله لرسوله بين الأمرين وخصه بالجمع بين الجهادين الظاهر والباطن دعاء الأنصار إلى الله ليلة العقبة وتلى عليهم القرآن تلاوة بجمع همة وتوجه تام فانجذبت قلوبهم وانصدعت لهيبته فدخلوا في الدين طوعا بل قهرا فلما رجعوا إلى قومهم بالمدينة سرى ذلك السر إليهم فآمنوا قبل أن يعاينوه فأعظم بها من منقبة للأنصار
(هب) من حديث الحسن بن محمد ابن زبالة عن مالك عن هشام عن أبيه (عن عائشة) رمز المصنف لحسنه وهو زلل فقد قال الذهبي قال أحمد هذا حديث منكر إنما هذا من قول مالك وقد رأيت هذا الشيخ يعني ابن زبالة وكان كذابا انتهى وقال في الضعفاء قال ابن معين وأبو داود هو كذاب وفي الميزان هذا منكر وقال ابن حجر في اللسان إن هذا حديث معروف بمحمد بن الحسن بن زبالة وهو متروك متهم وفي المطالب العالية تفرد برفعه محمد بن الحسن بن زبالة وكان ضعيفا جدا وإنما هو قول مالك فجعله ابن الحسن مرفوعا وأبرز له إسنادا انتهى والحديث أورده ابن الجوزي من حديث أبي يعلى عن عائشة وحكم بوضعه وتعقبه المؤلف بأن الخطيب رواه بسند هو أصلح طرقه فكان عليه أن يؤثره هنا
1223 - (افترقت) بكسر الهمزة من الافتراق ضد الاجتماع (اليهود على إحدى) مؤنث واحد (وسبعين فرقة) بكسر الفاء وهي الطائفة من الناس (وتفرقت) هو بمعنى افترقت فمغايرة التعبير للتفنن (النصارى على اثنتين وسبعين فرقة) معروفة عندهم (وتفرقت أمتي) في الأصول الدينية لا الفروع الفقهية إذ الأولى هي المخصوصة بالذم وأراد بالأمة من تجمعهم دائرة الدعوة من أهل القبلة (على ثلاث وسبعين فرقة) زاد في رواية كلها في النار إلا واحدة زاد في رواية لأحمد وغيره والجماعة أي أهل السنة والجماعة وفي رواية هي ما أنا عليه اليوم وأصحابي وأصول الفرق ستة
حرورية وقدرية وجهمية ومرجئة ورافضة وجبرية وانقسمت كل منها إلى اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنين وسبعين وقيل بل عشرون روافض وعشرون خوارج وعشرون قدرية وسبعة مرجئة وواحدة نجادية وواحدة فرارية وواحدة جهمية وثلاث كرامية وقيل وقيل وقال المحقق الدواني وما يتوهم من أنه إن حمل على أصول المذاهب فهي أقل من هذه العدة أو على ما يشمل الفروع فهي أكثر توهم لا مستند له لجواز كون الأصول التي بينها مخالفة مقيد بها هذا العدد أو يقال لعلهم في وقت من الأوقات بلغوا هذا العدد وإن زادوا أو نقصوا في أكثر الأوقات. واعلم أن جميع المذاهب التي فارقت الجماعة إذا اعتبرتها وتأملتها لم تجد لها أصلا فلذلك سموا فرقا لأنهم فارقوا الإجماع وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقع وهذه الفرق وإن تباينت مذاهبهم متفقون على إثبات الصانع وأنه الكامل مطلقا الغني عن كل شيء ولا يستغني عنه شيء (فإن قيل) ما وثوقك بأن تلك الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة مع أن كل واحد من الفرق يزعم أنه هي دون غيره؟ قلنا ليس ذلك بالادعاء والتثبت باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم بل بالنقل عن جهابذة -[21]- هذه الصنعة وأئمة أهل الحديث الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته وأحوال الصحب والتابعين كالشيخين وغيرهما الثقات المشاهير الذين اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في كتبهم وتكفل باستنباط معانيها وكشف مشكلاتها كالخطابي والبغوي والنووي جزاهم الله خيرا ثم بعد النقل ينظر إلى من تمسك بهديهم واقتفى أثرهم واهتدى بسيرتهم في الأصول والفروع فيحكم بأنهم هم وفيه كثرة أهل الضلال وقلة أهل الكمال والحث على الاعتصام بالكتاب والسنة ولزوم ما عليه الجماعة
(4) وكذا الحاكم والبيهقي (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي في أسانيده جياد ورواه الحاكم من عدة طرق ثم قال هذه أسانيد تقوم بها الحجة وعده المؤلف من المتواتر

الصفحة 20