كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 2)

-[29]- 1243 - (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت) فإن من علم ذلك استوت سريرته وعلانيته فهابه في كل مكان واستحى منه في كل زمان والهيبة والحياء وثاقان لنفس العبد من كل ما ذكره الله سرا وجهرا وبطنا وظهرا فالنفس في هذه الأحوال الأربع تخشع لهيبته وتذل وتخمد شهواتها وتقل حركاتها فإذا كان من الله لعبده تأييد بهذين فقد استقام والمراد بذلك علم القلب لا علم اللسان فقد علم الموحدون أن الله معهم بالنص القرآني {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} الآية لأن الإيمان شهادة القلب لأنه سبحانه حي قائم موجود وإله واحد معبود فهذا هو الإيمان العام الذي من سلبه غير مؤمن ثم لشهود القلب مراتب ومن أفضلها شهوده لله في كل مكان يكون فيه العبد على أي حال كان من خلاء وملاء وسراء وضراء. ونعيم وبؤس وطاعة وعصيان فيكون في حال الخلاء مستحيا وفي هذا الملاء متوكلا وفي السراء حامدا وفي الضراء راضيا وفي الغنى بالإفضال وفي الإفلال بالصبر وفي الطاعة بالإخلاص وفي المعصية بطلب الخلاص
(طب حل) من حديث نعيم بن حماد عن عثمان بن كثير عن محمد بن مهاجر عن عمرة عن ابن غنم (عن عباده بن الصامت) ثم قال أبو نعيم غريب من حديث عروة ولم نكتبه إلا من حديث محمد بن مهاجر أه ونعيم بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء وقال وثقه أحمد وجمع وقال النسائي: غير ثقة وقال الأزدي وابن عدي قالوا كان يضع وقال أبو داود: عنده نحو عشرين حديثا لا أصل لها أه ومحمد بن مهاجر فإن كان هو القرشي فقال البخاري لا يتلبع على حديثه أو الراوي عن وكيع فكذبه جزرة كما في الضعفاء للذهبي وبه يتجه رمز المؤلف لضعفه
1244 - (أفضل الإيمان) أي من أفضل خصاله (الصبر) أي حبس النفس على كريه تتحمله أو عن لذيذ تفارقه وهو ممدوح مطلوب (والمسامحة) يعني المساهلة في رواية السماحة بدل المسامحة وذلك لأن حبس النفس عن شهواتها وقطعها عن لذاتها ومألوفاتها تعذيب لها في رضا الله وذلك من أعلى خصال الإيمان وبذل المال وغيره من المقتنيات مشق صعب إلا على من وثق بما عند الله واعتقد أن ما أنفقه هو الباقي فالجود ثقة بالمعبود من أعظم خصال الإيمان قال الزركشي: والسماحة تيسير الأمر على المسامح. وروى نحو ذلك عن الحسن وأنه قيل له ما الصبر والسماحة؟ فقال: الصبر عن محارم الله والسماحة بفرائض الله وفي الحديث وما قبله وما بعده أن من الإيمان فاضل ومفضول فيزيد وينقص إذ الأفضل أزيد وفي خبر: من سامح سومح له
(فر عن معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وبالقاف المكسورة (ابن يسار) ضد اليمين المزني بضم الميم وفتح الزاي وفيه زيد العمى قال الذهبي في الضعفاء: ضعيف متماسك (تخ عن عمير) مصغر عمر بن قتادة بن سعد (الليثي) صحابي من مسلمة الفتح وفي مسند أبي يعلى أنه استشهد مع المصطفى صلى الله عليه وسلم قال قال رجل يا رسول الله ما أفضل الإيمان؟ فذكره وفيه شهر بن حوشب ورواه البيهقي في الزهد بلفظ: أي الأعمال أفضل؟ قال: الصبر والسماحة قال الحافظ العراقي: ورواه أبو يعلى وابن حبان في الضعفاء من حديث جابر بلفظ: سئل عن الإيمان فذكره وفيه يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفه الجمهور ورواه أحمد من حديث عمرو بن عنبسة بلفظ: ما الإيمان؟ قال الصبر والسماحة وحسن الخلق. وإسناده صحيح. إلى هنا كلام الحافظ وبه يعرف أن إهمال المصنف لرواية البيهقي مع صحة سندها وزيادة فائدتها غير جيد
1245 - (أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله) لا لغيره فيحب أهل المعروف لأجله لا لفعلهم المعروف معه ويكره أهل الفساد والشر لأجله لا لإيذائهم له (وتعمل لسانك في ذكر الله عز وجل) بأن لا تفتر عن النطق به فإن الذكر -[30]- مفتاح الغيب وجاذب الخير وأنيس المستوحش ومنشور الولاية قال وهب: أوحى الله إلى داود: أسرع الناس مرورا على الصراط الذين يرضون بحكمي وألسنتهم رطبة من ذكري. والمراد أنه يعمل اللسان مع القلب فإن الذكر مع الغفلة ليس له كبير جدوى لكن لما كان اللسان هو الترجمان اقتصر عليه مع إرادة ضميمة لذكر القلبي (وأن تحب للناس) من الطاعات والمباحات الدنيوية والدينية (ما) أي مثل الذي (تحب لنفسك) من ذلك وليس المراد أن يحصل لهم ماله مع سلبه عنه ولا مع بقاء عينه له إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال (وتكره لهم ما تكره لتفسك) من المكاره الدنيوية والأخروية (وأن تقول خيرا) كلمة تجمع الطاعات والمباحات وتخرج المنهيات (أو تصمت) أو تسكت والمراد بالمثلية هنا مطلق المشاركة المستلزمة لكف الأذى والمكروه عن الناس والتواضع لهم وإظهار عدم المزية عليهم فلا يتنافى كون الإنسان يحب بطبعه لنفسه كونه أفضل الناس على أن الأكمل بخلاف ذلك فقد قال الفضيل لابن عيينة: إن وددت أن تكون الناس مثلك فما أديت النصح فكيف لو وددت أنهم دونك ومقصود الحديث وما في معناه ائتلاف القلوب وانتظام الأحوال وهذه هي قاعدة الإسلام التي أوصى الله بها بقوله {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا الآية} وإيضاحه أن كلا منهم إذا أحب لجميعهم مثل ماله من الخير أحسن إليهم وكف أذاء عنهم فيحبونه فتسري بذلك المحبة بينهم ويكثر الخير ويرتفع الشر وينتظم أمر المعاش والمعاد وتصير أحوالهم على غاية السداد
(طب عن معاذ بن أنس) قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان فذكره قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف

الصفحة 29