كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 2)

1249 - (أفضل الحسنات) المتعلقة بحسن المعاشرة (تكرمة الجلساء) تفعلة من الكرامة ومن جملتها بسط الرداء والوسادة وإنما يكون من أفضل الحسنات إذا نويت امتثال الأمر الموالاة لله وفي الله فإنها من أوثق عرى الإيمان ومن تكرمة الجليس الإصغاء لحديثه كابن أبي رباح كان إذا حدثه شخص بحديث وهو يعلمه أصغى إليه إصغاء من لم يسمعه قط لئلا يخجل جليسه. قال حجة الإسلام: فيندب إكرام الصاحب والجليس ندبا مؤكدا وفيه إشارة إلى وصية آداب الصحبة فمنها كتمان السر وستر العيوب والسكوت عن تبليغ ما يسوءه من مذمة الناس إياه وإبلاغ ما يسره من ثناء الناس عليه وحسن الإصغاء عند الحديث وترك المراء فيه وأن يدعوه بأحب أسمائه إليه وأن يثني عليه بما يعرف من محاسنه ويشكره على صنيعه في حقه ويذب عنه في غيبته وينهض معه في حوائجه من غير إحواج إلى التماس وينصحه باللطف والتعريض إن احيج. ويعفو عن زلته وهفوته ولا يعيبه ويدعو له في الخلوة في حياته ومماته ويؤثر التحقيق عنه وينظر إلى حاجاته ويروح قلبه في مهماته ويظهر الفرح بما يسره والحزن بما يضره ويضمر مثل ما يظهره فيه ليكون صادقا في وده سرا وعلنا ويبدأه بالسلام عند إقباله ويوسع له في المجلس ويخرج له من مكانه ويشيعه عند قيامه ويصمت عند كلامه حتى يفرغ من خطابه. وبالجملة يعامله بما يحب أن يعامل به اه. وقال غيره: المجالسة وإكرام الجلساء أن يوسع للجليس ويقبل عليه ويصغي لحديثه ويتمكن من الجلوس معه غير مستوفز ولا يعبث بلحيته ولا خاتمه ولا يسبك أصابعه ولا إصبعه في أنفه ولا يكثر البصاق والتنخم والحكايات المضحكات ولا يحدث عن إعجابه بولده أو حليلته أو طعامه أو شعره أو تأليفه أو درسه ولا يكثرن الإشارة بيده ولا الالتفات
(القضاعي عن ابن مسعود)
1250 - (أفضل الدعاء دعاء المرء لنفسه) لأنها أقرب جار إليه والأقرب بالرعاية أحق فيكون القيام بذلك أفضل ولأن الداعي لغيره يحصل في نفسه افتقار غيره إليه ويذهل عن افتقاره فقلما سلم من زهو وإعجاب بنفسه وهو داء شنيع والداعي لنفسه تحصل له صفة الافتقار في حق نفسه فتزيل عنه صفة الافتقار صفة العجب والمنة إلى الغير فيكون أفضل وأرجى إجابة ذكره بعض الأعاظم وفضل الدعاء يكون بحسب المدعو به وبحسب الوقت وبحسب المدعو له وهو المراد هنا فلا ينافي أفضليته من جهة أخرى وقد تجتمع الجهات كلها
(هـ ك) في الدعاء عن مبارك بن حسان عن عطاء (عن عائشة) وقال - أعني الحاكم - صحيح واغتر به المصنف فرمز لصحته ذهولا عن تعقب الذهبي له بأن مباركا هذا واه اه. نعم رواه الطبراني بإسنادين أحدهما - كما قال الهيثمي - جيد فلو عزاه المصنف له لكان أولى
1251 - (أفضل الدعاء أن تسأل ربك) خص ذكر الربوبية لأن الرب هو المصلح المربي فيناسب ذكر العفو (العفو) أي محو الجرائم (والعافية) أي السلامة من الأسقام والبلايا (في الدنيا والآخرة) قال الزمخشري: العفو أن يعفو عن الذنوب والعافية أن يسلم من الأسقام والبلايا والمعافاة أن يعفو الرجل عن الناس ويعفوا عنه فلا يكون يوم القيامة قصاص وهي مفاعلة من العفو وقيل هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك. إلى هنا كلامه وقال الحكيم: العفو والعافية مشتق أحدهما من الآخر إلا أنه غلب عليه في اللغة استعمال العفو في نوائب الآخرة والعافية في نوائب الدنيا وذكرهما في الحديث في الدارين إيذانا بأنهما يرجعان إلى شيء واحد فيقال في محل العقوبة عفا عنه وفي محل -[33]- الابتلاء عافاه ثم المطلوب عافية لا يصحبها أشر ولا بطر واغترار بدوامها فلا ينافي الخبر الآتي: كفى بالسلامة داء كما يأتي (فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت) أي فزت وظفرت لن لكل نعمة تبعة ولكل ذنب نقمة في الدنيا والآخرة فإذا زويت عنه التبعات والنقمات تخلص هذا في العفو وأما في العافية فإنه لابد لكل نفس عند مدبر الأمور من تدبير فكلما تنفس نفسا استمد منه وفيه السلامة والآفة فإن نزعت الآفة منه سلم ذلك النفس فعوفي من البلاء فإذا طعم أو شرب قبل ذلك واستقامت الطبائع لهما ولغير ذلك من الأحوال فالعافية أن تدرأ عنك الحوادث التي يحدث منها البلاء أعاذنا الله بكرمه ثم إن قلت: طلب سؤال العافية من الله يناقضه ما جاء في غير ما خبر: إن البلاء خير من النعيم فالجواب: أن البلاء خير ونعمة باعتبارين: أحدهما بالإضافة إلى ما هو أكبر منه إما في الدين والدنيا والآخر بالإضافة إلى ما يرجى من الثواب فينبغي أن يسأل الله تعالى تمام النعمة في الدنيا والآخرة ودفع ما فوقه من البلاء ويسأله الثواب في الآخرة على الشكر على نعمته فإنه قادر على أن يعطي على الشكر ما يعطيه على الصبر قاله حجة الإسلام <تنبيه> قال شيخنا العارف الشعراني: قال لي البرهان بن أبي شريف لا ينبغي لمن وقع في ذنب واحد طول عمره أن يسأل الله الرضا وإنما يسأله العفو فإذا حصل حصل الرضا كما أنه لا ينبغي أن يسأل الله أن يكون من الصالحين الكمل ورثة الأنبياء
(حم وهناد) في الزهد (ت هـ عن أنس) وقال الترمذي حسن إنما نعرفه من حديث سلمة بن وردان أهو سلمة هذا ضعفه أحمد

الصفحة 32