كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 2)

2201 - (إن أشد الناس ندامة يوم القيامة رجل) ذكر الرجل وصف طردي والمراد مكلف (باع آخرته بدنيا غيره) أي استبدل بحظه الأخروي حصول حظ غيره الدنيوي وآثره عليه فأعظم بذلك من سفاهة وأصل الاشتراء بذل الثمن ليحصل ما يطلب من الأعيان ثم استعير للأعراض عما في يده محصلا به غيره هبه من المعاني أو الأعيان ثم توسع فيه فاستعمل للرغبة عن الشيء طمعا في غيره ثم إن هذا البائع يسمونه أخس الأخساء قال:
أكلف نفسي كل يوم وليلة. . . هموم هوى من لا أفوز بخيره
كما سود القصار بالشمس وجهه. . . حريصا على تبييض أثواب غيره
(تخ عن أبي أمامة) وإسناده حسن
2202 - (إن أشد الناس تصديقا للناس أصدقهم حديثا وإن أشد الناس تكذيبا) للناس (أكذبهم حديثا) فالصدوق يحمل كلام غيره على الصدق لاعتقاده قبح الكذب وإن المؤمن لا يتعمد القبيح والكذاب يتهم كل مخبر بالكذب ويكاد يجزم به لكونه ديدنه وعادته وشأنه فلا يستبعد حصوله من غيره بل يستقربه بل يقطع به (1)
(أبو الحسن القزويني) بفتح القاف وسكون الزاي نسبة إلى قزوين إحدى المدائن العظيمة المشهورة خرج منها جماعة من أكابر العلماء في كل فن منهم أبو الحسن هذا وهو علي بن عمر الحربي من أهل بغداد وكان زاهدا عابدا من الأبدال وروى عن ابن مكرم وغيره وعنه خلق منهم الخطيب (في) كتاب (أماليه) الحديثية (عن أبي أمامة) الباهلي
_________
(1) قال الشيخ لأن الإنسان يغلب عليه حالة نفسه ويظن أن الناس مثله وأشار هنا إلى الإلماح بما في قصة آدم فيما ذكره الله بقوله {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} وأنهما قبلا منه لظنهما أنه لا يحلف بالله كاذبا
2203 - (إن أطيب طعامكم) أي ألذه وأشهاه وأوفقه للأبدان (ما) أي شيء مأكول (مسته النار) أي أفضت إليه وأصابته وأثرت فيه بنحو شيء أو طبخ أو عقد أو قلي أو غير ذلك قال في المصباح وغيره: مسسته أفضيت إليه بيدي بلا حائل كذا قيدوه ومس الماء الجسد مسا أصابه (1)
(ع طب عن الحسن بن علي) أمير المؤمنين كرم الله وجهه
_________
(1) قال الشيخ والكلام في اللحم لقضية السبب حيث تشاوروا عليه فذكره وفي أخرى أنه حضر اللحم فذكره
2204 - (إن أطيب الكسب) أي من أطيبه (كسب التجار) قال الحرالي: الكسب ما يجري من الفعل والعمل والآثار -[425]- على إحساس بمنة فيه وقوة عليه (الذين إذا حدثوا) أي أخبروا عن السلعة وشأنها (لم يكذبوا) في أخبارهم للمشتري بشيء من ذلك (وإذا ائتمنوا) أي وإذا ائتمنهم المشتري ونحوه في نحو كونه استخبره عن الشراء بما قام عليه أو كم رأس ماله (لم يخونوا) فيما ائتمنوا عليه (وإذا وعدوا) بنحو وفاء ديون التجارة (لم يخلفوا) اختيارا (وإذا اشتروا) سلعة (لم يذمو) ها (وإذا باعوا) سلعة (لم يطروا) (1) أي لم يتجاوزوا في مدحها الحد في الكذب فكسب التجار من أطيب الكسب بشرط مراعاة هذه الأوصاف فإذا فقد منها شيء فهو من أخبثه كما هو عادة غالب التجار الآن (وإذا كان) عليهم ديون لم يمطلوا (2) أربابها أي يسوفوا وإذا كان (لهم) ديون وتقاضوها (لم يعسروا) أي يضيقوا أو يشددوا فهذه خصال الحافظين لحدود الله الذين أخذ الله عليهم في البيعة وأعطاهم الجنة أثمان نفوسهم ولا يقدر على الوفاء بها إلا من وثق بضامن الرزق في شأن الرزق وسقط خوفه وسكنت نفسه وزال عن قلبه محبة الرزق من أين وكيف وعندها يستحق اسم التقوى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} (3)
(هب عن معاذ) وفيه ثور بن يزيد الكلاعي الحمصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة مشهور بالقدر أخرجوه من حمص وحرقوا داره
_________
(1) يطروا بضم المثناة التحتية وسكون الطاء من الإطراء وفي القاموس أطراه أحسن الثناء عليه
(2) قال في المصباح مطلت الحديدة مطلا من باب قتل مددتها وطولتها وكل ممدود ممطول ومنه مطلة بدينه مطلا سوفه ومد الوفاء مرة بعد أخرى
(3) قال العلقمي أصول المكاسب الزراعة والصناعة والتجارة وأفضل ما يكتسبه من الزراعة لأنها أقرب إلى التوكل ولأنها أعم نفعا ولأن الحاجة إليها أعم وفيها عمل البدن أيضا ولأنه لابد في العادة أن يؤكل منها بغير عوض فيحصل له أجر وإن لم يكن ممن يعمل بيده بل يعمل غلمانه وأجراؤه فالكسب بها أفضل ثم الصناعة لأن الكسب فيها يحصل بكد اليمين ثم التجارة لأن الصحابة كانوا يكتسبون بها

الصفحة 424