كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 2)

2421 - (إن لكل شيء شرفا) أي رفعة (وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة) يشير إلى أن كل حركة وسكون من العبد على نظام العبودية بحسب نيته في يقظته ومنامه وقعوده وقيامه وشرابه وطعامه تشرف حالته بذلك فيتحرى القبلة في مجلسه ويستشعر هيئتها فلا يعبث فيسن المحافظة على استقبالها ما أمكن حتى للمدرس على الأصح وإنما سن استدبار الخطيب لأن المنبر يسن كونه بصدر المجلس فلو استقبل خرج عن مقاصد الخطاب لأنه يخاطب حينئذ من هو خلف ظهره قال الشريف السمهودي: نعم كان شيخي شيخ الإسلام الشرف المناوي يجلس لإلقاء الدرس مستدبرها والقوم امامه قياسا على الخطبة ويعلله بما ذكر من أن ترك استقبال واحد أسهل من تركه لخلق كثير قال: ويستأنس له بما رواه الخطيب عن جابر أقبل مغيث إلى مكحول فأوسع له بجنبه فأبى وجلس مقابل القبلة وقال هذا أشرف المجالس فالظاهر أن جلوس مكحول مستدبرا كان كذلك اه
(طب ك) في التوبة (عن ابن عباس) إيراد المصنف لهذا الحديث يوهم سلامته من الوضاعين والكذابين وهو ذهول عجيب فقد قال ابن حبان في وصف الاتباع وبيان الابتداع إنه خبر موضوع تفرد به أبو المقدام عن هشام بن زياد عن محمد بن كعب عن ابن عباس وهو طريق الطبراني وقال الذهبي رواه الحاكم من طريقين أحدهما هذا وهشام متروك والآخر فيه محمد بن معاوية النيسابوري كذبه الدارقطني وغيره قال فبطل الحديث اه وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني فيه هشام بن زياد أبو المقدام وهو متروك جدا اه نعم ورد في الباب حديث جيد حسن وهو ما رواه الطبراني أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إن لكل شيء سيدا وإن سيد المجالس قبالة القبلة قال الهيثمي والمنذري وغيرهما إسناده حسن اه فاعجب للمصنف حيث آثر ما جزموا لوضعه على ما جزموا بحسنه
2422 - (إن لكل شيء) كذا هو في خط المصنف وفي رواية عمل وفي أخرى عابد (شرة) بكسر الشين والتشديد بضبط المصنف حدة وحرصا ونشاطا ورغبة قال القاضي: الشرة الحرص على الشيء والنشاط فيه وصاحبها فاعل فعل دل عليه ما بعده وقوله تعالى {وإن أحد من المشركين استجارك} (ولكل شرة فترة) أي وهنا وضعفا وسكونا يعني أن العابد يبالغ في العبادة أو لا وكل مبالغ تسكن حدته وتفتر مبالغته بعد حين. وقال القاضي: المعنى أن من اقتصد في الأمور سلك الطريق المستقيم واجتنب جانبي الإفراط الشرة والتفريط الفترة فارجوه ولا تلتفتوا إلى شهرته فيما بين الناس واعتقادهم فيه (فإن صاحبها سدد وقارب) أي إن سدد صاحب الشرة أي جعل عمله متوسطا أي دنا من التوسط وسلك الطريق الأقوم وتجنب طريقي إفراط الشرة وتفريط الفترة (فارجوه) يعني ارجوا الصلاح والخير منه فإنه يمكنه الدوام على الوسط وأحب الأعمال إلى الله أدومها (وإن أشير إليه بالأصابع) أي اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهورا بالعبادة والزهد -[513]- وصار مشهورا مشارا إليه بالعبادة (فلا تعدوه) أي لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائيا ذكره القاضي. وقال الطيبي: معناه إن لكل شيء من الأعمال الظاهرة والأخلاق الباطنة طرفين إفراطا وتفريطا فالمحمود القصد بينهما فإن رأيت أحدا يسلك سبيل القصد فارجوه أن يكون يكون من الفائزين فلا تقطعوا له بأنه من الفائزين فإن الله هو الذي يتولى السرائر وإن رأيته يسلك طريق الإفراط والغلو حتى يشار إليه بالأصابع فلا تبتوا القول فيه بأنه من الخائبين فإن الله هو الذي يطلع على الضمائر
(ت) في الزهد (عن أبي هريرة) وقال حسن صحيح غريب وفيه محمد بن عجلان وثقه أحمد وقال الحاكم سيء الحفظ

الصفحة 512