كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 2)
2575 - (إنما المجالس بالأمانة) أي أن المجالس الحسنة إنما هي المصحوبة بالأمانة أي كتمان ما يقع فيها من التفاوض في الأسرار فلا يحل لأحد من أهل المجلس أن يفشي على صاحبه ما يكره إفشاؤه كما أفصح به في الخبر الآتي
(أبو الشيخ [ابن حبان] في التوبيخ عن عثمان) بن عفان (وعن ابن عباس)
2576 - (إنما يتجالس المتجالسان) أي الشخصان الذي يجلس أحدهما إلى الآخر للتحدث (بأمانة الله تعالى فلا يحل لأحدهما أن يفشي عن صاحبه ما يخاف) من إفشائه قال البيهقي فيه حفظ المسلم سر أخيه وتأكد الاحتياط لحفظ الأسرار لاسيما عن الأشرار والفجار فاحذر أن تضيع أمانة استودعتها وتضييعها أن تحدث بها غير صاحبها فتكون ممن خالف قول الله {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} فتكون من الظالمين وتحشر في زمرة الخائنين
(أبو الشيخ [ابن حبان] ) في الثواب (عن أبي مسعود) ورواه عنه أيضا ابن لال ثم إن فيه عبد الله بن محمد بن المغيرة قال الذهبي في الضعفاء قال العقيلي يحدث بما لا أصل له وقال ابن عدي عامة حديثه لا يتابع عليه ورواه البيهقي في الشعب مرسلا وقال هذا مرسل جيد
2577 - (إنما العلم) أي تحصيله (بالتعلم) بضم اللام على الصواب كما قاله الزركشي ويروى بالتعليم أي ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ عن الأنبياء وورثتهم على سبيل التعليم وتعلمه طلبه واكتسابه من أهله وأخذه عنهم حيث كانوا فلا علم إلا بتعلم من الشارع أو من ناب عنه منابه وما تفيده العبادة والتقوى والمجاهدة والرياضة إنما هو فهم يوافق الأصول ويشرح الصدور ويوسع العقول ثم هو ينقسم لما يدخل تحت دائرة الأحكام ومنه ما لا يدخل تحت دائرة العبادات وإن كان مما يتناوله الإشارة ومنه ما لا تفهمه الضمائر وإن أشارت إليه الحقائق في وضوحه عند مشاهده وتحققه عند متلقيه فافهم قال ابن مسعود تعلموا فإن أحدكم لا يدري متى يحتاج إليه وقال ابن سعد ما سبقنا ابن شهاب للعلم إلا أنه كان يشد ثوبه عند صدره ويسأل وكنا تمنعنا الحداثة وقال الثوري من رق وجهه رق علمه وقال مجاهد لا يتعلم مستحي ولا متكبر وقيل لابن عباس بما نلت هذا العلم قال بلسان سؤول وقلب عقول (وإنما الحلم بالتحلم) أي ببعث النفس وتنشيطها إليه قال الراغب: الحلم إمساك النفس عن هيجان الغضب والتحكم إمساكها عن قضاء الوطر إذا هاج الغضب (ومن يتحر الخير يعطه) أي ومن يجتهد في تحصيل الخير يعطه الله تعالى إياه (ومن يتق) في رواية يتوق (الشر يوقه) زاد الطبراني والبيهقي في روايتيهما ثلاث من كن فيه لم يسكن الدرجات العلى ولا أقول لكم الجنة من تكهن أو استقسم أو رده من سفر تطير <تنبيه> قال بعضهم: ويحصل العلم بالفيض الإلهي لكنه نادر غير مطرد فلذا تمم الكلام نحو الغالب قال الراغب: الفضائل ضربان نظري وعملي وكل ضرب منها يحصل على وجهين أحدهما بتعلم بشرى يحتاج إلى زمان وتدرب وممارسة ويتقوى الإنسان فيه درجة فدرجة وإن فيهم من يكفيه أدنى ممارسة بحسب اختلاف الطبائع في الذكاء والبلادة والثاني يحصل -[570]- بفيض إلهي نحو أن يولد إنسان عالما بغير تعلم كعيسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام الذين حصل لهم من المعارف بغير ممارسة ما لم يحصل لغيرهم وذكر بعض الحكماء أن ذلك قد يحصل لغير الأنبياء عليهم السلام في الفيئة بعد الفيئة وكلما كان يتدرب فقد يكون بالطبع كصبي يوجد صادق اللهجة وسخيا وجريئا وآخر بعكسه وقد يكون بالتعلم والعادة فمن صار فاضلا طبعا وعادة وتعلما فهو كامل الفضيلة ومن كان رذلا فهو كامل الرذيلة
(قط في الأفراد) والعلل (خط) في التاريخ (عن أبي هريرة) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف انتهى ولم يبين وجه ضعفه وذلك لأن فيه إسماعيل بن مجالد وليس بمحمود (طس عن أبي الدرداء) قال الهيثمي فيه محمد بن الحنفي بن أبي يزيد وهو كذاب انتهى وقال السخاوي: محمد بن الحسن هذا كذاب لكن رواه البيهقي في المدخل من غير جهته عن أبي الدرداء موقوفا ورواه عنه مرفوعا باللفظ المذكور الخطيب في كتابه رياضة المتعلمين وفي الباب عن أنس أخرجه عنه العسكري وعن معاوية وما ذكر من عزو الحديث للطبراني هو ما في نسخ كثيرة فتبعتها ثم وقفت على نسخة المصنف بخطه فلم أجد فيها للطبراني بل خط عن أبي الدرداء انتهى ورواه ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية بلفظ يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين قال ابن حجر في المختصر إسناده حسن لأن فيهما مبهما اعتضد لمجيئه من وجه آخر وروى البزار نحوه من حديث ابن مسعود موقوفا ورواه أبو نعيم مرفوعا فلا تغتر بمن جعله من كلام البخاري
الصفحة 569
576