كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 2)

1336 - (اقرأوا القرآن) أي داوموا على قراءته (ما ائتلفت) أي ما اجتمعت (عليه قلوبكم) أي مادامت قلوبكم تألف القرآن: يعني اقرؤه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة (فإذا اختلفتم فيه) بأن مللتم أو صارت قلوبكم في فكرة شيء سوى قراءتكم وحصلت القراءة بألسنتكم مع غيبة قلوبكم فلا تفهمون ما تقرؤون (فقوموا) عنه: أي اتركوه إلى وقت تعودون في محبة قراءته إلى الحالة الأولى فإنه أعظم من أن يقرأه أحد من غير حضور قلب أو المعنى اقرؤوا ما دمتم متفقين في قراءته وتدبر معانيه وأسراره وإذا اختلفتم في فهم معانيه فدعوه لأن الاختلاف يؤدي إلى الجدال والجدال يؤدي إلى الجحد وتلبيس الحق بالباطل. قال الزمخشري. قال ولا يجوز توجيهه بالنهي عن المناظرة والمباحثة فإنه سد لباب الاجتهاد وإطفاء لنور العلم وصد عما تواطأت العقول والآثار الصحيحة على ارتضائه والحث عليه ولم يزل الموثوق بهم من علماء الأمة يستنبطون معاني التنزيل ويستثيرون دقائقه ويغوصون على لطائفه وهو ذو الوجوه فيعود ذلك تسجيلا له ببعد الغور واستحكام دليل الإعجاز ومن ثم تكاثرت الأقاويل واتسم كل من المجتهدين بمذهب في التأويل: إلى هنا كلامه. وبه يعرف أنه لا اتجاه لزعم تخصيص إلهي بزمن المصطفى صلى الله عليه وسلم لئلا ينزل ما يسوؤهم
(حم ق ن عن جندب) بضم الجيم والدال وتفتح وتضم وهو ابن عبد الله البجلي ثم العقبي بفتحتين ثم قال له صحبة ومات بعد الستين ورواه مسلم والطبراني عن ابن عمر والنسائي عن معاذ
1337 - (اقرأوا القرآن فإنه) أي القرآن (يأتي يوم القيامة شفيعا) أي شافعا (لأصحابه) بأن يتصور بصورة يراها الناس كما يجعل الله لأعمال العباد صورة ووزنا لتوضع في الميزان فليعتقد المؤمن هذا وشبهه بإيمانه لأنه لا مجال للعقل فيه (اقرؤوا الزهراوين) أي النيرتين. سميتا به لكثرة نور الأحكام الشرعية وكثرة أسماء الله تعالى فيهما أو لهديتهما قارئهما أو لما يكون له من النور بسببها يوم القيامة والزهراوين تثنية الزهراء تأنيث أزهر وهو المضيء الشديد بالضوء (البقرة وآل عمران) أوقعه بدلا منهما مبالغة في الكشف والبيان كما تقول هل أدلك على الأكرم الأفضل؟ فلان فإنه أبلغ من أدلك على زيد الأكرم الأفضل لذكره أولا مجملا ثم ثانيا مفصلا وكما جعل علما في الكرم والفضل جعلا علما في الإنارة وفيه جواز قول سورة كذا ورد على من كرهه فقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها كذا (فإنهما يأتيان) أي ثوابهما الذي استحقه التالي العامل بهما (يوم القيامة) قال النووي: أطلق اسمهما على هذا الذي يأتي يوم القيامة استعارة على عادة العرب في ذلك (كأنهما غمامتان) أي سحابتان تظلان قارئهما من حر الموقف وكرب ذلك اليوم المهول (أو غيابتان) مثنى غيابة بمثناة تحتية وهي ما أظل الإنسان. قال القاضي: ولعله أراد ما يكون له صفاء وضوء: إذ الغيابة ضوء شعاع الشمس (أو كأنهما فرقان) بكسر فسكون أي قطيعان وجماعتان (من طير) أي طائفتان منهما (صواف) باسطات أجنحتها -[64]- متصلا بعضها ببعض جمع صافة وهي الجماعة الواقعة على الصف وليست أو للشك كما وهم ولا للتخيير في تشبيه الصورتين كما ظن ولا للترديد من بعض الرواة كما قيل لاتساق الروايات كلها على هذا المنهاج بل هي كما قاله البيضاوي وبعض أئمة الشافعية للتنويع وتقسيم أحوال القارئين فالأول لمن يقرأهما ولا يفهم معناهما والثاني للجامع بين تلاوة اللفظ ودراية المعنى والثالث لمن ضم إليهما تعليم المستفيدين وإرشاد الطالبين وبيان حقائقهما وكشف ما فيهما من الرموز والحقائق واللطائف عليهم وإحياء القلوب الجامدة وتهييج نفوسهم الخامدة حتى طاروا من حضيض الجهالة والبطالة إلى أمواج العرفان والبيقين. ذكره القاضي. وقال الطيبي: إذا تفاوتت المشبهات لزم تفاوت المشبه في التظليل بالغمامة دون التظليل بالغيابة إذ الأول عام في كل أحد والثاني يختص بمثل الملوك والثالث الرفع كما كان لسليمان عليه السلام (تحاجان) تدافعان الجحيم أو الزبانية. وقال القاضي تحاجان عن أصحابهما بالدلالة على سعيه في الدين ورسوخه في اليقين والإشعار بفضله وعلو شأنه
(اقرأوا سورة البقرة) قال الطيبي: تخصيص بعد تخصيص عم أولا بقوله اقرأوا القرآن وعلق به الشفاعة ثم خص الزهراوين وعلق بهما التخصيص من كرب يوم القيامة والمحاجة وأفرد ثالثا البقرة وعلق بها المعاني الثلاثة الآتية تنبيها على أن لكل مهنما خاصية لا يعرفها إلا صاحب الشرع (فإن أخذها) يعني المواظبة على تلاوتها والعمل بها بركة: أي زيادة ونماء (وتركها حسرة) أي تأسف على ما فات من الثواب (ولا تستطيعها البطلة) بفتح الباء والطاء: السحرة: تسمية لهم باسم فعلهم لأن ما يأتون به باطل وإنما لم يقدروا على قراءتها لزيغهم عن الحق وانهماكهم في الباطل. وقيل البطالة أهل البطالة الذين لم يؤهلوا لذلك ولم يوفقوا له أي لا يستطيعون قراءة ألفاظها وتدبر معانيها لبطالتهم وكسلهم أو المراد سحرة البيان من قوله إن من البيان لسحرا أي أنهم لا يستطيعونها من حيث التحدي فأتوا بسورة من مثله وتمسك به من زعم أن القرآن مخلوق قالوا لأن ما كان غمامة يكون مخلوقا ورد بأنه جهل إذ القرآن غير جسم فتعين أن المراد بقوله كأنهما غمامتان أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة وهذا لا غبار عليه <تنبيه> قال القونوي: قوله في الحديث يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان إلخ: كناية عن أرواح صور الحروف والكلمات فإنه قد ثبت شرعا وكشفا أن ما ثم صورة إلا ولها روح فتارة تخفى آثار الروح في الصورة بالنسبة لأكثر الناس وتارة تظهر بشرط تأييد روح تلك الصورة بمدد يتصل من روح آخر وصور الأعمال والأقوال أعراض لا ترتفع ولا تبقى إلا بأرواحها المصاحبة لها والمتأيدة بأرواح العمال ونياتهم ومتعلقات هممهم التابعة لعلومهم واعتقاداتهم الصحيحة المطابقة لما الأمر عليه وللحروف والكلمات من حيث أفرادها ومن حيث تركيبها خواص تظهر من أرواحها بواسطة صورها تلفظ وكناية شهد بذلك الأولياء عن شهود محقق وتجربة مكررة
(حم م) في الصلاة (عن أبي أمامة) الباهلي

الصفحة 63