كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 2)

1192 - (أعلم الناس) أي أكثرهم علما (من) أي عالم (يجمع علم الناس إلى علمه) أي يحرص على تعلم ما عندهم مضافا إلى ماعنده (وكل صاحب علم) نكره لمزيد التعميم (غرثان) أي جائع بغين معجمة مفتوحة وراء ساكنة فمثلثة يعني متلهف متعطش منهمك على استفادة ما عند غيره مما ليس عنده والمراد أنه لشدة حبه في العلم وحلاوته عنده وتلذذه بفهمه لا يزال طالبا تحصيله لا يشبع ولا يقنع ومن هذا دأبه يصير من أعلم الناس لشدة تحصيله للفوائد وضبطه للشوارد <تنبيه> قال الغزالي قال أبو يزيد ليس العالم الذي يحفظ من كتاب فإذا أنسى ما حفظ صار جاهلا إنما العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء بلا تحفظ ولا درس وهذا هو العالم الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى {وقد آتيناه من لدنا علما} مع أن كل علم من لدنه لكن بعضها بواسطة تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علما لدنيا بل العلم اللدني الذي ينفتح في سر العالم من غير سبب مألوف من خارج انتهى
(ع جابر) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أعلم فذكره قال الهيثمي: فيه مسعدة بن اليسع وهو ضعيف جدا
1193 - (اعلم أنك) خطاب لكل من يتأتى توجيه الكلام إليه أو لمعين وهو ثوبان أو المراد العموم وإنما صدر بالأمر مؤكدا بأن حثا على التشمير إلى الإكثار من السجود الرافع للدرجات (لا تسجد لله سجدة) أي في صلاة منفردة كسجدة تلاوة أو شكر (إلا رفع الله لك بها درجة) أي منزلة عالية المقدار (وحط عنك بها خطيئة) يعني فأكثر من الصلاة لترفع درجاتك وتمحى عنك سيئاتك قال الجنبد: ليس من طلب الله يبذل المجهود كمن طلبه من طريق الجود ولهذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن سأله أن يشفع له وأن يكون معه في الجنة أعني على نفسك بكثرة السجود وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء لولا ثلاث لأحببت أن لا أبقى في الدنيا وضع وجهي لخالقي في الليل والنهار وظمأ الهواجر ومقاعد أقوام ينتفون الكلام كما تنتقى الفاكهة
(حم ع طب) عن أبي أمامة رمز المصنف لصحته وهو كما قال فقد قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح
1194 - (اعلم) بصيغة الأمر أي اعرف قال في الصحاح علمت الشيء أعلمه علما عرفته فظاهره أن العلم هو المعرفة لكن فرق بأن المعرفة إدراك الجزيئات والعلم إدراك الكليات ولذلك لا يقال الله عارف كما يقال عالم (يا أبا مسعود) لفظ رواية مسلم وأبا داود بحذف حرف النداء (أن الله) وفي رواية أبا تمام والله إن الله (أقدر عليك منك على هذا الغلام) الذي تضربه أي أقدر عليك بالعقوبة من قدرتك على ضربه لكنه يحلم إذا غضب وأنت لا تقدر على الحلم إذا غضبت
(م) عن أبي مسعود عقبة بن عامر البدري قال بينا أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا خلفي اعلم -[9]- يا أبا مسعود فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فذكره فقلت يا رسول هو حر لوجه الله فقال أما لو لم تفعل للفحتك النار وفي رواية كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي اعلم أبا مسعود فلم أفهم الصوت من الغضب فلما دنا مني فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا هو يقول اعلم إلى آخره فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا وفي رواية فسقط السوط من يدي هيبة له قال النووي رواه مسلم بهذه الروايات <تنبيه> قد اختلف الناس في حد العلم على أقاويل لا تكاد تحصى وذلك مشهور ومعروف وهنا ألفاظ تظن أنها مرادفة للعلم ينبغي بيانها الأول الشعور وهو أول مراتب وصول العلم إلى القوة العاقلة فهو إدراك من غير تثبت الثاني الإدراك وهو لغة الوصول واللحاق بالشيء وملاقاته ويسمى وصول العقل إلى المعقول إدراكا الثالث التصور وهو حصول صورة الشيء في العقل الرابع الحفظ وهو تأكد ذلك واستحكامه أو يصير بحيث لو زال لتمكنت القوة من استرجاعه. الخامس التذكر وهو محاولة القوة لاسترجاع ما زال من المعلومات السادس الذكر وهو فائدة التذكر السابع الفهم وهو يتعلق بلفظ المخاطب غالبا. الثامن الفقه وقال الإمام الرازي هو العلم بغرض المخاطب ولهذا قال تعالى في الكفار {لا يكادون يفقهون حديثا} أي لا يفقهون الغرض من الخطاب التاسع الدراية وهي المعرفة التي تحصل بعد رؤية وتقديم مقدمات. العاشر اليقين وهو أن يعلم الشيء وامتناع خلافه الحادي عشر الذهن وهو قوة النفس واستعدادها لاكتساب العلوم التي ليست بحاصلة. الثاني عشر الفكر وهو الانتقال من التصديقات الحاضرة والتصديقات المحضرة. الثالث عشر الحدس وهو الذي يميز به عمل الفكر وهو استعداد النفس لوجود المتوسط بين الطرفين المصير للنسبة المجهولة معلومة لأن كل مجهول لا يعلم إلا بواسطة مقدمتين معلومتين تنتج المطلوب الرابع عشر الذكاء وهو قوة الحدس وبلوغه الغاية الخامس عشر الفطنة وهو التنبه للشيء الذي قصد تعريفه. السادس عشر الكيس وهو استنباط الأنفع والأولى. السابع عشر الرأي وهو استحضار المقدمات وإجالة الخاطر فيها وفيما يعارضها وطلب استنتاجها علي الوجه المصيب وهو دلالة الفكر
(م عن أبي مسعود) عقبة بن عامر البدري قال بينا أضرب غلاما فسمعت صوتا خلفي اعلم أبا مسعود فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال أما لو لم تفعل للفحتك النار

الصفحة 8