كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 3)

2857 - (ألا أخبركم بخيركم من شركم) قال الطيبي: من شركم حال أي أخبركم بخيركم مميزا من شركم اه والمراد أخبركم بما يميز بين الفريقين قالوا: بلى قال: (خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره) أي من يؤمل الناس الخير من جهته ويأمنون الشر من جهته (وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره) أي وشركم من لا يؤمل الناس حصول الخير لهم من جهته ولا يأمنون من شره. قال الطيبي: التقسيم العقلي يقتضي أربعة أقسام ذكر قسمين ترغيبا وترهيبا وترك الآخرين إذ لا ترغيب ولا ترهيب فيهما. قال الماوردي: يشير بهذا الحديث إلى أن عدل الإنسان مع أكفائه واجب وذلك يكون بثلاثة أشياء ترك الاستطالة ومجانبة الإذلال وكف الأذى لأن ترك الاستطالة آلف ومجانبة الإذلال أعطف وكف الأذى أنصف. وهذه أمور إن لم تخلص في الأكفاء أسرع فيهم تقاطع الأعداء ففسدوا وأفسدوا إلى هنا كلامه
(حم ت حب عن أبي هريرة) قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على ناس جلوس فقال: ألا أخبركم بخيركم من شركم فسكتوا فقال ثلاثا فقال له رجل: يا رسول الله أخبرنا فذكره لما توهموا معنى التمييز تخوفوا من الفضيحة فسكتوا حتى قالها ثلاثا فأبرز البيان في معرض العموم لئلا يفتضحوا قال الذهبي في المهذب: سنده جيد وفي الباب أنس وغيره
2858 - (ألا أخبركم بخير الناس) أي بمن هو من خير الناس إذ ليس الغازي أفضل من جميع الناس مطلقا وكذا قوله (وشر الناس) إذ الكافر شر منه (إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله عز وجل) أي جاهد الكفار لإعلاء كلمة الله (على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره) أي راكبا على واحد منهما وخصهما لأنهما مراكب العرب غالبا إن لم يكن دائما فالراكب على بغل أو برذون أو حمار أو فيل في الفضل المذكور كذلك (أو على ظهر قدميه) أي ماشيا على قدميه ولفظ الظهر مقحم ويستمر ملازما على ذلك (حتى يأتيه الموت) بالقتل في سبيل الله أو بغيره (وإن من شر الناس رجلا فاجرا) أي منبعثا في المعاصي (جريئا) بالهمز على فعيل اسم فاعل من جرؤ جراءة مثل ضخم ضخامة -[103]- والاسم الجرأة كالغرفة وجرأته عليه بالتشديد فتجرأ واجترأ على القول أسرع بالهجوم عليه من غير توقف والمراد هنا هجام قوي الإقدام (يقرأ كتاب الله) القرآن (لا يرعوى) أي لا ينكف ولا ينزجر (إلى شيء منه) أي من مواعظه وزواجره وتقريعه وتوبيخه ووعيده. <تنبيه> قد أشار هذا الخبر وما قبله إلى أن من الناس من هو خير بالطبع ومنهم من هو شر بالطبع أو ومنهم متوسط وجرى عليه طائفة مستدلين له بهذا الحديث ونحوه. وقال قوم: الناس يخلقون أخيارا بالطبع ثم يصيرون أشرارا بمجالسة أهل الشره والميل إلى الشهوات الرديئة التي لا تنقمع بالتأديب واستدلوا بخبر كل مولود يولد على الفطرة وقال آخرون: الناس خلقوا من الطينة السفلى وهي كدر العالم فمنهم باعتبار ذلك أشرار بالطبع لكن فيهم أخيار بالتأديب ومنهم من لا ينتقل عن الشر مطلقا واستدلوا بقوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} قال في الفردوس: الارعواء الندم على الشيء والانصراف عنه والترك له
(حم ن ك عن أبي سعيد) الخدري قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يخطب عام تبوك وهو مسند ظهره إلى راحلته فذكره

الصفحة 102