كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 3)

-[125]- 2906 - (إياكم والشح) الذي هو قلة الإفضال بالمال فهو في المال خاصة أو عام رديف البخل أو أشد وإذا صحبه حرص أو مع الواجب أو أكل مال الغير أو العمل بالمعاصي كما سبق (فإنما هلك من كان قبلكم) من الأمم (بالشح) كيف وهو من سوء الظن بالله (أمرهم بالبخل فبخلوا) بكسر الخاء (وأمرهم بالقطيعة) للرحم (فقطعوها) ومن قطعها قطع الله عنه رحمته وإفضاله (وأمرهم بالفجور) أي الميل عن القصد والسداد والإنبعاث في المعاصي (ففجروا) أي أمرهم بالزنا فزنوا والحاصل أن الشح من جميع وجوهه يخالف الإيمان {أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا} ومن ثم ورد لا يجتمع الشح والإيمان في قلب أبدا قال الماوردي: وينشأ عن الشح من الأخلاق المذمومة وإن كانت ذريعة إلى كل مذموم أربعة أخلاق ناهيك بها ذما: الحرص والشره وسوء الظن ومنع الحقوق فالحرص شدة الكدح والجهد في الطلب والشره استقلال الكفاية والاستكثار بغير حاجة وهذا فرق ما بين الحرص والشره وسوء الظن عدم الثقة بمن هو أهل لها والخاتمة منع الحقوق لأن نفس البخيل لا تسمح بفراق محبوبها ولا تنقاد إلى ترك مطلوبها ولا تذعن للحق ولا تجيب إلى إنصاف وإذا آل الشح إلى ما وصف من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول
(د ك) في الزكاة (عن ابن عمرو) بن العاص قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي
2907 - (إياكم والفتن) أي احذروا وقعها والقرب منها (فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف) فإنه يؤدي إلى وقع السيف بآخرة
(هـ عن ابن عمر) بن الخطاب وفيه محمد بن الحارث الحارثي ضعفوه
2908 - (إياكم والحسد) وهو كما قال الحرالي: قلق النفس من رؤية النعمة على الغير وهو اعتراض على الحق ومعاندة له ومحاولة لنقض ما فعله وإزالة فضله عما أهله له ومن ثم قال: (فإن الحسد يأكل الحسنات) أي يذهبها ويحرقها ويمحو أثرها (كما تأكل النار الحطب) أي اليابس لأنه يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود وشتمه وقد يتلف ماله أو يسعى في سفك دمه وكل ذلك مظالم يقتص منها في الآخرة ويذهب في عوض ذلك حسنات فلا حجة فيه للمعتزلة الزاعمين أن المعاصي تحبط الطاعات. <تنبيه> قال الغزالي: الحاسد جمع لنفسه بين عذابين لأن حسده على نعمة الدنيا وكان معذبا بالحسد وما قنع بذلك حتى أضاف إليه عذابا في الآخرة فقصد محسوده فأصاب نفسه وأهدى إليه حسناته فهو صديقه وعدو نفسه وربما كان حسده سبب انتشار فضل محسوده فقد قيل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة. . . طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت. . . ما كان يعرف طيب نشر العود
(د) في الأدب من حديث إبراهيم بن أسيد عن جده (عن أبي هريرة) وجد إبراهيم لم يسم وذكر البخاري إبراهيم هذا في تاريخه الكبير وذكر له هذا الحديث وقال: لا يصح
2909 - (إياكم والغلو في الدين) أي التشديد فيه ومجاوزة الحد والبحث عن غوامض الأشياء والكشف عن عللها -[126]- وغوامض متعبداتها (فإنما هلك من كان قبلكم) من الأمم (بالغلو في الدين) والسعيد من اتعظ بغيره وهذا قاله غداة العقبة وأمرهم بمثل حصى الخذف قال ابن تيمية: قوله إياكم والغلو في الدين عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال والغلو مجاوزة الحد بأن يزاد في مدح الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك والنصارى أكثر غلوا في الاعتقاد والعمل من سائر الطوائف وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن بقوله تعالى: {لا تغلوا في دينكم} وسبب هذا الأمر العام رمي الجمار وهو داخل فيه مثل الرمي بالحجارة الكبار على أنه أبلغ من الصغار ثم علله بقوله بما يقتضي أن مجانبة هديهم مطلقا أبعد عن الوقوع فيما به هلكوا وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه الهلاك
(حم ن هـ ك عن ابن عباس) ورواه عنه أيضا ابن منيع والحلواني والديلمي وغيرهم قال ابن تيمية: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم

الصفحة 125