كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 3)

-[145]- 2965 - (أيما رجل آتاه الله علما) تنكيره في حين الشرط يؤذن بالعموم لكل علم ولو غير شرعي لكن خصه جمع منهم الحليمي بالشرع ومقدماته (فكتمه) عن الناس عند الحاجة إليه (ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار) (1) شبه ما جعل من النار في فم الكاتم باللجام تشبيها بليغا حيث خص النار وهو الذي أخرجه من باب الاستعارة وهذا وعيد شديد سيما إن كان الكتم لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة وتطييب نفوسهم واستجلاب لمسارهم أو لجر منفعة أو حطام دنيا أو لتقيه مما لا دليل عليه ولا أمارة أو لبخل بالعلم ومن ثم قال علي كرم الله وجهه ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا
(طب عن ابن مسعود) ورواه عنه في الأوسط أيضا قال الهيثمي: وفي سند الأوسط النضر بن سعيد ضعفه العقيلي وفي سند الكبير سواد بن مصعب وهو متروك اه والحديث أخرجه ابن الجوزي في العلل عن ابن مسعود من عدة طرق وطعن فيه بما محصوله أن فيه جماعة ما بين ضعيف ومتروك وكذاب
_________
(1) لما لجم لسانه عن قول الحق والإخبار عن العلم والإظهار له عوقب في الآخرة بلجام من نار قال العلقمي: وهذا خرج على معنى مشاكة العقوبة للذنب وهذا في العلم الذي يتعين عليه كمن رأى كافرا يريد الإسلام يقول علموني ما الإسلام وما الدين وكيف أصلي وكمن جاء مستفتيا في حلال أو حرام فيلزم أن يجاب السائل ويترتب على منعه الوعيد والعقوبة وليس الأمر كذلك ونوافل العلم الذي لا ضرورة بالناس إلى معرفتها
2966 - (أيما رجل حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى لم يزل في سخط الله) أي غضبه (حتى ينزع) أي يقلع ويترك وهذا وعيد شديد على الشفاعة في الحدود أي إذا وصلت إلى الإمام وثبتت كما يفيده أخبار آخر وإلا فالستر أفضل (وأيما رجل شد غضبا) أي شد طرفه أي بصره بالغضب (1) (على مسلم في خصومة لا علم له بها فقد عاند الله حقه وحرص على سخطه وعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة) لأنه بمعاندة الله صار ظالما وقد قال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} وأصل اللعنة الطرد لكن المراد به هنا في وقت أو حال أو الشخص أو على صفة أو نحو ذلك (وأيما رجل أشاع على رجل مسلم) أي أظهر عليه ما يعيبه (بكلمة وهو منها بريء يشينه بها (2)) أي فعل ما فعل بقصد أن يشينه أي يعيبه أو يعيره بها (في الدنيا) بين الناس (كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بإنفاذ ما قال) وليس بقادر على إنفاذه فهو كناية عن دوام تعذيبه بها من قبيل الخبر المار كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين (3) ومن قبيل قوله للمصورون أحيوا ما خلقتم
(طب عن أبي الدرداء) قال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه وقال المنذري: لا يحضرني الآن حال إسناده
_________
(1) ويحتمل أن يكون المعنى اشتد غضبه
(2) قال في المصباح: شانه شينا من باب عاب عابه والشين خلاف الزين
(3) لعله خرج مخرج الزجر عن هذه الخصلة
2967 - (أيما رجل ظلم شبرا من الأرض) ذكر الشبر إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد (كلفه الله أن يحفره -[146]- حتى يبلغ أخر سبع أرضين) بفتح الراء وتسكن (ثم يطوقه) بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية فإنه يطوقه (يوم القيامة) أي يكلف نقل الأرض الذي أخذها ظلما إلى المحشر وتكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة أو معناه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين فتكون كل أرض حالتئذ كالطوق في عنقه الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الطوق وبالأول جزم القشيري وصححه البغوي ولا مانع أن نتنوع هذه الصفات لهذا الجاني أو تنقسم أصحاب هذه الجناية فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها ذكره ابن حجر رحمه الله تعالى ويستمر كذلك (حتى يقضى بين الناس) ثم يصير إلى الجنة أو إلى النار بحسب إرادة العزيز الجبار وهذا وعيد شديد للغاصب قاطع بأن الغضب من أكبر الكبائر (1)
(طب) وكذا في الصغير (عن يعلى بن مرة) ورواه عنه أيضا أحمد بعدة أسانيد قال الهيثمي: ورجال بعضها رجال الصحيح ورواه عنه أيضا ابن حبان من هذا الوجه وكان ينبغي للمؤلف عزوه له ولأحمد فإنهما مقدمان عندهم على العزو للطبراني
_________
(1) وهذا إن لم يحصل عفو من المغصوب منه ولم يفعل الغاصب ما يكفر التبعات

الصفحة 145