3010 - (أيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع) بالبناء للمجهول أي اتبعه على تلك الضلالة أناس (فإن عليه مثل أوزار من اتبعه) على ذلك (ولا ينقص من أوزارهم شيئا) فإن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة (وأيما داع دعا إلى هدى فاتبع) بالبناء للمجهول أيضا أي اتبعه قوم عليها (فإن له مثل أجور من اتبعه) منهم (ولا ينقص من أجورهم شيئا) فإن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة قيل وذا شمل عموم الدلالة على الخير قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} {وتعاونوا على البر والتقوى} {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} وفيه حث على ندب الدعاء إلى الخير وتحذير من الدعاء إلى ضلالة أو بدعة سواء كان ابتدأ ذلك أو سبق به
(هـ عن أنس)
3011 - (أين الراضون بالمقدور) أي بما قدره الله تعالى لهم في علمه القديم الأزلي يعني هم قليل (أين الساعون للمشكور) أي المداومون على السعي والجهد في تحصيل كل فعل مشكور في الشرع ممدوح على فعله (عجبت لمن يؤمن بدار الخلود) وهي الجنة والنار (كيف يسعى لدار الغرور) أي الدنيا سميت به لأنها تغر وتضر وتمر {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} والغرور ما يغر به الإنسان من نحو مال وجاه وشهوة وشيطان والدنيا والشيطان أخوان وذلك لأنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها وأما من في قلبه ميل إلى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما هو فيه عن قريب لم تحدثه نفسه بالفرح وما أحسن ما قيل:
أشد الغم عندي في سرور. . . تيقن عنه صاحبه انتقالا
ولست بمفراح إذا الدهر سرني. . . ولا جازع من صرفه المتقلب
وأكثر الناس كالأنعام السائمة لا ينظر الواحد منهم في معرفة موجده ولا المراد من إيجاده وإخراجه إلى هذه الدار التي هي معبر إلى دار القرار ولا يتفكر في قلة مقامه في الدنيا الفانية وسرعة رحيله إلى الآخرة الباقية بل إذا عرض له عارض عاجل لم يؤثر عليه ثوابا من الله ولا رضوانا
(هناد عن عمرو بن مرة) بضم الميم وشدة الراء ابن عبد الله بن طارق المرادي الكوفي الأعمى أحد الأعلام (مرسلا)
3012 - (أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب) ترفقوا في السعي في طلب حظكم من الرزق (فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها) {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} (وإن أبطأ عنها) فهو لا بد يأتيها فلا فائدة للانهماك والاستشراف والرزق لا ينال بالجد ولا بالاجتهاد وقد يكدح العاقل الذكي في طلبه فلا يجد مطلوبه والغر الغبي يتيسر له ذلك المطلوب فعند تلك الاعتبارات يلوح لك صدق قول الشافعي:
ومن الدليل على القضاء وكونه. . . بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق
قال الفخر الرازي: يظهر أن هذه المطالب إنما تحصل وتسهل بناء على قسمة قسام لا يمكن منازعته ومغالبته {نحن -[160]- قسمنا بينهم معيشتهم} وقال الزمخشري: قيل لبزرجمهر: تعال نتناظر في القدر قال: وما أصنع بالمناظرة فيه رأيت ظاهرا دل على باطن ورأيت أحمق مرزوقا وعالما محروما فعلمت أن التدبير ليس للعباد وقرن ذلك بالأمر بالتقوى لأنها من الأوامر الباعثة على جماع الخير إذ معها تنكف النفس عن أكثر المطالب وترتدع عن الشهوات وتندفع عن المطامع ومن ثم كرر لك فقال (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) أي اطلبوا الرزق طلبا رفيقا وبين كيفية الإجمال بقوله فيه (خذوا ما حل) لكم تناوله (ودعوا) أي اتركوا (ما حرم) عليكم أخذه ومدار ذلك على اليقين فإن المرء إذا علم أن له رزقا قدر له لا بد له منه علم أن طلبه لما لم يقدر عناء لا يفيد إلا الحرص والطمع المذمومين فقنع برزقه والعبد أسير القدرة سليب القبضة وأفعاله تبع لفعل الله به فإنها إنما تكون بالله والعبد مصروف عن نظره إلى أفعاله معترف بعجزه مقر باضطراره عالم بافتقاره والدنيا حجاب الآخرة ومن كشف عن بصر قلبه رأى الآخرة بعين إيقانه ومن نظر إلى الآخرة زهد في الدنيا إذ الإنسان حريص والنفس داعية قيل لابن عبد العزيز لما ولي الخلافة زهدت في الدنيا فقال: إن لي نفسا تواقة تاقت إلى أعظم مناصب الدنيا فلما نالت تاقت إلى مناصب الآخرة
(هـ عن جابر)