2605 - (إنما هما قبضتان) تثنية قبضة والقبضة بمعنى المقبوض كالغرفة بمعنى المغروف وهو بالضم الاسم وبالفتح المرة والقبض الآخذ بجميع الكف <تنبيه> سبق عن العارف ابن عربي ما يفيد أن المراد بالقبضتين هنا سر الكمال الذاتي الذي إذا انكشف إلى الأبصار يوم القيامة يختلف أبصار الكافر فيرمى به في النار والمؤمن فيدخله الجنة فالقبضتان متحد معناهما مثنى لفظهما وبسرهما خلقت الجنة والنار والمنور والمظلم والمنعم والمنتقم وعلى ذلك المنوال قال: {والأرض جميعا قبضته} عرفنا من وضع اللسان أن يقال فلان في قبضتي يريد تحت حكمي وإن كان لا شيء منه في يديه البتة لكن أمره فيه ماض وحكمه عليه قاض كحكمه على ما ملكته يده حسا وقبضت عليه فلما استحالت الجارحة عليه تعالى عدل العقل إلى روح القبضة ومعناها وفائدتها وهو ملك ما قبضت عليه حالا (فقبضة في النار وقبضة في الجنة) أي أنه سبحانه وتعالى قبض قبضة وقال هذه إلى النار ولا أبالي وقبض قبضة وقال هذه إلى الجنة ولا أبالي فالعبرة إنما هو بسابق القضاء الإلهي الذي لا يقبل تغييرا ولا تبديلا ولا يناقضه خبر إنما الأعمال بالخواتيم لأن ربطها بها إنما هو لكون السابقة غيب عنا والخاتمة ظاهرة لنا فنيطت الأعمال بها بالنسبة إلينا ومع ذلك فيتعين العمل لآية {فأما من أعطى واتقى} ولا يغتر بإيحاء النفس والشيطان أنه لا عبرة بالعمل بل بالسابقة أو الخاتمة فإنه تمويه وإضلال وغفلة عن وضع الأسباب للمسببات
(حم طب عن معاذ) بن جبل
2606 - (إنما هما اثنتان الكلام والهدى) أي السيرة والطريق (فأحسن الكلام) مطلقا (كلام الله) المنزل على رسله في الكتب العلية الشأن وأعظمها الكتب الأربعة (وأحسن الهدي هدي محمد) النبي الأمي أي سيرته وطريقته (ألا) قال الحرالي: استفتاح وتنبيه وجمع للقلوب للسماع (وإياكم ومحدثات الأمور) أي احذروها وهي ما أحدث على غير قواعد الشرع كما سبق (فإن شر الأمور محدثاتها) التي هي كذلك (وكل محدثة) أي خصلة محدثة (بدعة وكل بدعة ضلالة ألا لا يطولن عليكم الأمد) بدال مهملة كذا هو بخط المصنف فمن جعلها براء فقد حرف (فتقسو قلوبكم) {ولا تكونوا كالذين أوتو الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم} ومن ثم قال الحكيم: بطول الأمل تقسو القلوب وبإخلاص النية تقل الذنوب وما أنصف من نفسه من أيقن بالحشر والحساب وزهد في الأجر والثواب وقال الغزالي: إذا أملت -[6]- العيش الطويل شغل قلبك وضاع وقتك وكثر همك وغمك بلا فائدة ولا طائل ومن طال أمله لا يذكر الموت فمن لم يذكره فمن أين لقلبه الحرقة فإذا طولت أملك قلت طاعتك فإنك تقول سوف أفعل والأيام بين يدي وتأخرت توبتك واشتد حرصك وقسى قلبك وعظمت غفلتك عن الآخرة وذهبت والعياذ بالله آخرتك (ألا إن كل ما هو آت قريب وإنما البعيد ما ليس بآت) فكأنكم بالموت وقد حل بكم والساعة أدهى وأمر قال الطائي: من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن طال أمله ساء عمله وقال يحيى بن معاذ: الأمل قاطع عن كل خير والطمع مانع من كل حق والصبر صائر إلى كل ظفر والنفس داعية إلى كل شر ومن ثمرات طول الأمل ترك الطاعة والتكاسل فيها وترك التوبة وتسويفها والحرص على الجمع والاشتغال بالدنيا عن الآخرة مخافة الفقر والنسيان للآخرة (ألا إنما الشقي من شقي في بطن أمه) أي من قدر الله عليه في أصل خلقته كونه شقيا فشقي حقيقة لا من عرض له الشقاء بعد وهو إشارة لشقاء الآخرة لا الدنيا (والسعيد من وعظ بغيره ألا إن قتال المؤمن كفر) أي يؤدي إلى الكفر لشؤمه أو كفعل الكفار أو إن استحل والمراد كفر النعمة لا الجحود (وسبابه فسوق) أي سبه وشتمه خروج عن طاعة الله (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) في الإسلام (فوق ثلاث) من الأيام إلا لمصلحة دينية كما دلت عليه أخبار وآثار (ألا وإياكم والكذب) أي احذروا الإخبار بخلاف الواقع (فإن الكذب لا يصلح لا بالجد ولا بالهزل) حيث كان لغير مصلحة شرعية كإصلاح بين الناس والكذب لغير ذلك جماع كل شر وأصل كل ذم لسوء عواقبه وخبث نتائجه لأنه نتيجة النميمة والنميمة نتيجة البغضاء تؤول إلى العداوة وليس مع العداوة أمن ولا راحة (ولا يعد الرجل صبيه) يعني طفله ذكرا أو أنثى فتخصيص الصبي غالبي (فلا يفي له) بل ينبغي أن يقف عند قوله عند وعده لولده {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} وقوله فلا - بالفاء - هو ما رأيته في نسخ كثيرة فتبعتها ثم وقفت على نسخة المصنف بخطه فلم أره ذكره بالفاء (وإن الكذب يهدي إلى الفجور) أي يؤدي ويجر إلى الميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي (وإن الفجور يهدي إلى النار) أي إلى دخول نار جهنم (وإن الصدق) أي قول الحق (يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة) يعني أن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذمة وذلك سبب لدخول الجنة بفضل الله (وإنه يقال) أي بين الملأ الأعلى ويكتب في اللوح أو في الصحف أو على ألسنة الخلق بإلهام من الله تعالى (للصادق صدق وبر) في أقواله (ويقال للكاذب كذب وفجر) فيصير ذلك كالعلم عليه وذلك يحمل من له أدنى عقل على الرغبة في الأول والتحرز عن التساهل في الثاني (ألا وإن العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذابا) أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف به والعقاب عليه والمراد أن دواعي الكذب قد ترادفت فيه حتى ألفها فصار الكذب له عادة ونفسه إليه منقادة حتى لو رام مجانبة الكذب عسر عليه فطامه وحينئذ يكتب عند الله كذابا وكرر حرف التنبيه زيادة في تقريع القلوب بهذه المواعظ وأن كل كلمة من هذه الكلمات حقيقة بأن يتنبه المخاطب بها ويلقي لها سمعا واعيا وقلبا مراعيا
(هـ عن ابن مسعود) قال الزين العراقي إسناده جيد