كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 4)

-[34]- 4459 - (رغم) بكسر الغين وتفتح أي لصق أنفه بالتراب وهو كناية عن حصول غاية الذل والهوان (أنف الرجل) يعني إنسان وذكر الرجل وصف طردي وكذا يقال فيما بعده (ذكرت عنده) بالبناء للمفعول (فلم يصل علي) أي لحقه ذل وخزي مجازاة له على ترك تعظيمي أو خاب وخسر من قدر أن ينطق بأربع كلمات توجبه لنفسه عشر صلوات من الله ورفع عشر درجات وحط عشر خطيئات فلم يفعل لأن الصلاة عليه عبارة عن تعظيمه فمن عظمه عظمه الله ومن لم يعظمه أهانه الله وحقر شأنه قال الطيبي: والفاء استبعادية كهي في قوله تعالى {فأعرض عنها} والمعنى بعيد من العاقل أن يتمكن من إجراء كلمات معدودة على لسانه فيفوز بما ذكر فلم يغتنمه حتى يموت فحقيق أن يذله الله اه. ورد بأن جعلها للتعقيب أولى ليفيد ذم التراخي عن تعقيب الصلاة عليه بذكره (ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له) أي رغم أنف من علم أنه لو كف نفسه عن الشهوات شهرا في كل سنة وأتى بما وظف له فيه من صيام وقيام غفر له ما سلف من الذنوب فقصر ولم يفعل حتى انسلخ الشهر ومضى فمن وجد فرصة عظيمة بأن قام فيه إيمانا واحتسابا عظمه الله ومن لم يعظمه حقره الله وأهانه (ورغم أنف رجل) أي إنه مدعو عليه أو مخبر عنه بلزوم ذل وصغار لا يطاق (أدرك عنده أبواه الكبر) قيد به مع أن خدمة الأبوين ينبغي المحافظة عليها في كل زمن لشدة احتياجهما إلى البر والخدمة في تلك الحالة (فلم يدخلاه الجنة) لعقوقه لهما وتقصيره في حقهما وهو إسناد مجازي يعني ذل وخسر من أدرك أبويه أو أحدهما في كبر السن ولم يسع في تحصيل مآربه والقيام بخدمته فيستوجب الجنة جعل دخول الجنة بما يلابس الأبوين وما هو بسببهما بمنزلة ما هو بفعلهما ومسبب عنهما وتعظيمهما مستلزم لتعظيم الله ولذلك قرن تعالى الإحسان إليهما وبرهما بتوحيده وعبادته فمن لم يغتنم الإحسان إليهما سيما حال كبرهما فجدير بأن يهان ويحقر شأنه
(ت) في الدعوات (ك) كلاهما (عن أبي هريرة) قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه وقال الحاكم: صحيح قال ابن حجر: وله شواهد
4460 - (رغم أنفه) بالكسر أي لصق بالرغام أي التراب هذا أصله ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف من الظالم وقال القاضي: يستعمل رغم مجازا بمعنى كره من باب إطلاق اسم السبب على المسبب (ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه) كرره ثلاثا لزيادة التنفير والتحذير (من أدرك أبويه عنده الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة) يعني لم يخدمهما حتى يدخل الجنة بسببهما قال بعضهم: والنبي رؤوف رحيم أرسل رحمة للعالمين فدعاؤه هنا على من آمن ببعد الرحمة لعله فيمن اشتغل بشهواته عن مرضات ربه بعد ما دله على سبيل الفلاح فتجافى عنه فكأنه أبى إلا النار بإكبابه على العصيان والتمرد على الرحمن فلم يستوجب الغفران حيث لم يعظم من أرسل رحمة بالصلاة عليه ولم يقم بتعظيم حرمة شهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار واستخف بحق والديه فلم يقم بحقهما فحق لهؤلاء أن يطهرهم بالنار إن لم يدركهم اللطف
(حم م) في الأدب (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري
4461 - (رفع عن أمتي الخطأ) أي إثمه لا حكمه إذ حكمه من الضمان لا يرتفع كما هو مقرر في الفروع (والنسيان) كذلك ما لم يتعاط بسببه حتى فوت الواجب فإنه يأثم (وما استكرهوا عليه) أي في غير الزنا والقتل إذ لا يباحان بالإكراه فالحديث منزل على ما سواهما قال البيضاوي: ومفهومه أن الخطأ والنسيان كان يؤاخذ بهما أولا إذ لا تمتنع -[35]- المؤاخذة بهما عقلا فإن الذنوب كالسموم فكما أن تناولها يؤدي إلى الهلاك وإن كان خطأ فتعاطي الذنوب لا يبعد أن يفضي إلى العقاب وإن لم يكن عزيمة لكنه تعالى وعدنا التجأوز عنه رحمة وفضلا ومن ثم أمر الإنسان بالدعاء به استدامة واعتدادا بالنعمة وفي جمع الجوامع أن هذا ليس من المجمد وخالف البصريان أبو الحسين وأبو عبد الله وبعض الحنفية قالوا: لا يصح رفع المذكورات مع وجودها فلا بد من تقدير شيء وهو متردد بين أمور لا حاجة لجمعها ولا مرجح لبعضها فكان مجملا قلنا المرجح موجود وهو العرف فإنه يقضي بأن المراد منه رفع المؤاخذة اه. وقال ابن الهمام: قوله رفع إلخ من باب المقتضي ولا عموم له لأنه ضروري فوجب تقديره على وجه يصح والإجماع على أن رفع الإثم مراد فلا يراد غيره وإلا لزم تعميمه وهو في غير محل الضرورة ومن اعتبر في الحكم الأعم من حكم الدنيا والآخرة فقد عمته من حيث لا يدري إذ قد أثبته في غير محل الضرورة من تصحيح الكلام وصار كما لو أطال الكلام ساهيا فإنه يقول بالفساد فإن الشر في أن رفع فساده وجب شمول الصحة وإلا فشمول عدمها وإنما عفي القليل من العمل لعدم التحرز عنه اه
(طب عن ثوبان) رمز المصنف لصحته وهو غير صحيح فقد تعقبه الهيثمي بأن فيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو ضعيف اه. وقصارى أمر الحديث أن النووي ذكر في الطلاق من الروضة أنه حسن ولم يسلم له ذلك بل اعترض باختلاف فيه وتباين الروايات وبقول ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة وذكر عبد الله بن أحمد في العلل أن أباه أنكره ونقل الخلال عن أحمد من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف الكتاب والسنة وقال ابن نصر: هذا الحديث ليس له سند يحتج بمثله اه. وقد خفي هذا الحديث على الإمام ابن الهمام فقال: هذا الحديث يذكره الفقهاء بهذا اللفظ ولا يوجد في شيء من كتب الحديث

الصفحة 34