كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 4)

6142 - (قل اللهم إني ظلمت نفسي) بارتكابي ما يوجب العقوبة (ظلما كثيرا) بالمثلثة في معظم الروايات وفي رواية بموحدة قال في الأذكار: فينبغي الجمع بينهما فيقال ظلما كثيرا كبيرا احتياطا للتعبد ومحافظة على لفظ الوارد (وأنه) أي الشأن (لا يغفر الذنوب إلا أنت) لأنك الرب المالك ولا حيلة لي في دفعها وهو اعتراف بالوحدانية وعظمته الربوبية واستجلاب للمغفرة (فاغفر لي مغفرة) نكره للتعظيم أي عظمة لا يدرك كنهها وزاد (من عندك) لأن الذي من عنده لا يحيط به وصف واصف ولا يحصيه عد عاد مع ما فيه من الإشارة إلى أنه طلب أنها تكون له تفضلا من عنده تعالى لا بعمل منه (وارحمني) تفضل علي وأحسن إلي وزدني إحسانا على المغفرة (إنك) بالكسر على الاستئناف البياني المشعر بالتعليل (أنت الغفور الرحيم) كل من الوصفين للمبالغة وقابل اغفر بالغفور وارحم بالرحيم فالأول راجع إلى اغفر لي والثاني إلى ارحمني فهو لف ونشر مرتب فهذا عبد اعترف بالظلم ثم التجأ إليه مضطرا لا يجد لذنبه ساترا غيره ثم سأله المغفرة وقال بعض المحققين: وقال من عندك مع أن الكل منه وإليه إشارة إلى أنه يطلب من خزائنه ما خزنه عن العامة ولله رحمة تعم الخلق وله رحمة تخص الخواص وهي المطلوبة هنا وقد استدل به للدعاء في آخر الصلاة قال في الأذكار: وهو صحيح فإن قوله الآتي في صلاتي يعم جميعها اه. وفيه رد على شيخ الإسلام زكريا أن قوله في صلاتي المراد به المحل اللائق بالدعاء وفيه منها وهو السجود وبعد التشهد الأخير فقط وفيه مشروعية طلب تعليم العلم من العلماء وإجابة العالم للمتعلم سؤاله والمراد بالنفس هنا بالذات المشتملة على الروح كما في قوله تعالى {أن النفس بالنفس} وإن اختلف العلماء في أن حقيقة النفس هي الروح أو غيرها حتى قيل إن فيها ألف قول والغفر الستر والمعنى أن الداعي طلب منه تعالى أن يجعل له ساترا بينه وبين الذنوب إن لم تكن وقعت وساترا بينه وبين ما يترتب عليها من العقاب والعتاب إن كانت وقعت ولا يخفى حسن ترتيب هذا الحديث حيث قدم الاعتراف بالذنب ثم بالوحدانية ثم بسؤال المغفرة لأن الاعتراف بذلك أقرب إلى العفو والثناء على السيد بما هو أهله أرجى لقبول سؤاله
(حم ق ت ن هـ عن ابن عمر) بن الخطاب (وعن أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنهما قلت يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فذكره وفيه رد على من منع الدعاء في المكتوبة بغير القرآن كالنخعي
6143 - (قل آمنت بالله) أي جدد إيمانك بالله ذكرا بقلبك ونطقا بلسانك بأن تستحضر جميع معاني الإيمان الشرعي (ثم استقم) أي الزم عمل الطاعات والانتهاء عن المخالفات إذ لا تتأتى مع شيء من الاعوجاج فإنها ضده وانتزاع هاتين الجملتين من آية {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} وهذا من بدائع جوامع الكلم فقد جمعتا جميع معاني الإيمان والإسلام اعتقادا وقولا وعملا إذ الإسلام توحيد وهو حاصل بالجملة الأولى والطاعة بسائر أنواعها في ضمن الثانية إذ الاستقامة امتثال كل مأمور وتجنب كل منهي وعرفها بعضهم بأنها المتابعة للسنن المحمدية مع التخلق بالأخلاق المرضية وبعضهم بأنها الإتباع مع ترك الابتداع وقيل حمل النفس على أخلاق الكتاب والسنة قال القشيري: وهي درجة بها كمال الأمور وتمامها وبوجودها حصول الخيرات ونظامها وقال بعضهم: لا يطيقها إلا الأكابر لأنها الخروج عن المعهودات -[524]- ومفارقة الرسوم والعادات
(حم م ت ن هـ عن سفيان) بتثليث أوله (ابن عبد الله الثقفي) الطائفي له صحبة استعمله عمر على الطائف قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه غيرك فذكره ولم يخرجه البخاري قال النووي: لم يرو مسلم لسفيان غير هذا الحديث وقال المناوي: ولم أر لسفيان هذا غير هذا الحديث في مسلم ولا في الأربعة اه. وهذا ذهول فقد رواه الترمذي عنه وزاد فيه قلت يا رسول الله ما أخوف ما أتخوف علي؟ قال هذا وأخذ بلسانه

الصفحة 523