كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 4)

4381 - (رأيت جبريل) أي على صورته التي خلق عليها قال البيهقي: وهذا من خصائصه وفي الصحيحين أنه لم يره في الصورة التي خلق عليها إلا مرتين قال ابن تيمية: يعني المرة التي في الأفق الأعلى والنزلة الأخرى عند سدرة المنتهى (له ست مئة جناح) قيل: يجوز أن يكون أخبر به عن عدد أو عن خبر الله أو ملائكته وقد جاء القرآن بأجنحة الملائكة لكي يبقى الكلام في كيفيتها فسبق عن السهيلي أنها صفات ملكية لا تدرك بالعين فإنه تعالى أخبر بأنها مثنى وثلاث ورباع ولم ير لطائر ثلاثة أو أربعة أجنحة فكيف بست مئة فدل على أنها صفات لا تضبط بالفكر ولا ورد ببيانها خبر فيجب الإيمان بها إجمالا واعترض بأن لفظ الطبراني يرجح أنها كالطير وقد ورد نثر الجناح بحيث يسد الأفق وهذا نص صريح في أن جبريل ملك موجود يرى بالعيان ويدرك بالبصر فمن زعم أنه خيال موجود في الأذهان لا العيان فقد كفر وخرج عن جميع الملل قال حجة الإسلام: والملك له صورتان مثالية وحقيقية بل يرى بصور مختلفة في وقت واحد في مكانين لكن لا ندرك حقيقة صورته بالمشاهدة إلا بأنوار النبوة كما رأى النبي جبريل في صورته مرتين وكان يريه نفسه في غيرها كصورة آدمي وذلك لأن القلب له وجهان وجه إلى عالم الغيب وهو مدخل الإلهام والوحي ووجه إلى عالم الشهادة فالذي يظهر منه في الوجه الذي يلي جانب عالم الشهادة لا يكون إلا صورة متخيلة لأن عالم الشهادة كله متخيلات إلا أن الخيال تارة يحصل من النظر إلى ظاهر عالم الشهادة بالحس فيجوز أن لا تكون الصورة على وفق المعنى لأن عالم الشهادة كثير التلبيس أما الصورة التي تحصل في الخيال من إشراق عالم الملكوت على باطن سر القلب فلا يكون إلا محاكيا للصفة وموافقا لها لأن الصورة في عالم الملكوت تابعة للصفة فلا جرم لا يرى المعنى الحسن إلا بصورة حسنة والقبيح بصورة قبيحة فتكون تلك الصورة عنوان المعاني ومحاكية لها بالصدق
(طب عن ابن عباس) هذا كالصريح في أنه لا يوجد في أحد الصحيحين وإلا لما ساغ العدول للطبراني والأمر بخلافه فقد رواه البخاري في تفسير النجم ورواه مسلم في الإيمان من حديث ابن مسعود بلفظ إن النبي رأى جبريل له ست مئة جناح وبلفظ رأى جبريل في صورته له ست مئة جناح ورواه ابن حبان بأتم من الكل ولفظه رأيت جبريل عند سدرة المنتهى وله ست مئة جناح ينثر من ريشه الدر والياقوت اه
4382 - (رأيت أكثر من رأيت من الملائكة معتمين) أي على رؤوسهم أمثال العمائم من النور إذ الملائكة أجسام نورانية لا يليق لها هذه الملابس الجسمانية كما عرف مما تقرر
(ابن عساكر) في التاريخ (عن عائشة)
4383 - (رأيت جعفر بن أبي طالب) هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي استشهد بمؤتة (ملكا) أي على صورة ملك من الملائكة (يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين) سميا جناحين لأن الطائر يجنحهما عند الطيران أي يميلهما عنده ومنه {وإن جنحوا للسلم} وهذا قاله لولده لما جاء الخبر بقتله وفي رواية عوضه الله جناحين عن قطع يديه وذلك أنه أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه فقتل. قال القاضي: لما بذل نفسه في سبيل الله وحارب أعداءه حتى قطعت يداه ورجلاه أعطاه الله أجنحة روحانية يطير بها مع الملائكة ولعله رآه في المنام أو في بعض مكاشفاته اه. وقال السهيلي: ليسا كجناحي الطائر لأن الصورة الآدمية أشرف بل قوة روحانية وقد عبر القرآن عن العضو بالجناح توسعا {واضمم يدك إلى جناحك} واعترض بأنه لا مانع من الحمل على الظاهر إلا من جهة المعهود -[9]- وهو قياس الغائب على الشاهد وهو ضعيف. (تتمة) قال في الإصابة: كان أبو هريرة يقول: إن جعفر أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد عنه بسند صحيح
(ت ك) في المناقب (عن أبي هريرة) قال الحاكم: صحيح وتعقبه الذهبي بأن فيه والد علي بن المديني واه اه. فقال ابن حجر في الفتح: في إسناده ضعف لكن له شاهد من حديث علي عند ابن سعد وعن أبي هريرة رفعه " مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم " خرجه الترمذي والحاكم بإسناد على شرط مسلم

الصفحة 8