كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 5)

-[16]- 6290 - (كل بني آدم يطعن الشيطان) بضم العين (في جنبيه) بالتثنية (بإصبعه) بالإفراد وفي رواية للبخاري بالتثنية. قال الطيبي: المس والطعن عبارة عن الإصابة بما يؤذيه ويؤلمه لا كما زعمه المعتزلة أن المس تخييل واستهلاله صارخا من مسه تصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممن أغويه وأما قول ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها. . . يكون بكاء الطفل ساعة يولد
إذا أبصر الدنيا استهل كأنه. . . بما هو لاق من أذاها يهدد
وإلا فما يبكيه منها فإنه. . . لأوسع مما كان فيه وارغد
فمن باب حسن التعليل فلا يستقيم تنزيل الحديث على أنه لا ينافيه وقال البيضاوي: مس الشيطان تعلقه بالمولود وتشويش حاله والإصابة بما يؤذيه ويؤلمه أولا كما قال تعالى عن أيوب {أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} والاهتمام بحصول ما يصير ذريعة ومتسلقا في إغوائه اه. فقوله يؤلمه بين به أن المس حقيق ردا على الزمخشري (حين يولد) زاد البخاري في رواية في آل عمران فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه (غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب) أي المشيمة التي فيها الولد. قال ابن حجر: اقتصر هنا على عيسى دون الأولى لأن هذا بالنسبة للطعن في الجنب وذاك بالنسبة للمس أو هذا قبل الإعلام بما زاد وفيه بعد
(خ عن أبي هريرة) ورواه مسلم بمعناه في المناقب
6291 - (كل بني آدم حسود ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد) هذا الحديث سقط من قلم المصنف منه طائفة فإن سياقه عند أبي نعيم الذي عزاه إليه: كل بني آدم حسود وبعض الناس أفضل في الحسد من بعض ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد اه. وإنما كان كل أدمي حسودا لأن الفضل يقتضي الحسد بالطبع فإذ نظر الإنسان إلى من فضل عليه في مال أو علم أو غيرهما لم تملكه نفسه عن أن يحسده فإن بادر بكفها انكف وإلا سقط في مهاوي الهلكة وقيل لا يفقد الحسد إلا من فقد الخير أجمع ولذلك قال بعض الشعراء:
إن العرانين تلقاها محسدة. . . ولا ترى للئام الناس حسادا
وقال أبو تمام:
وذو النقص في الدنيا. . . بذي الفضل مولع
وقال البحتري:
لا تحسدوه فضل رتبته التي. . . أعيت عليكم وافعلوا كفعاله
قال في عين العلم: ونبه بهذا الحديث على أن سبب الحسد خبث النفس وأنه داء جبلي مزمن قل من يسلم منه
(حل عن أنس) بن مالك وفيه مجاهيل
6292 - (كل بني آدم خطاء) بشد الطاء والتنوين يقال رجل خطاء إذا كان ملازما للخطأ وهو من أبنية المبالغة. قال الطيبي: إن أريد بلفظ كل الكل من حيث هو كل فهو تغليب لأن الأنبياء ليسوا بمبالغين في الخطأ وإن أريد به الاستغراق وأن كل واحد خطاء لم يستقم إلا على التوزيع كما يقال هو ظلام للعبيد أي يظلم كل واحد واحد فهو ظالم بالنسبة إلى كل أحد ظلام بالنسبة إلى المجموع وإذا قلت هو ظلام لعبده ما كان مبالغا في الظلم (وخير الخطائين التوابون) يعني أن -[17]- العبد لا بد أن يجري عليه ما سبق به القدر فكأنه قال لا بد لك من فعل الذنوب والخطايا لأن ذلك مكتوب عليك فأحدث توبة فإنه لا يؤتى العبد من فعل المعصية وإن عظمت وإنما يؤتى من ترك التوبة وتأخيرها فإن الله غفور يحب التوابين وقد قال تعالى {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرأون بالحسنة السيئة} فما وصفهم بعد السيئة أصلا
(حم ت هـ ك عن أنس) قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة اه. قال الحاكم: صحيح وقال الذهبي: بل فيه لين وقال في موضع آخر: فيه ضعف وقال الزين العراقي: فيه علي بن مسعدة ضعفه البخاري اه. وقال جدي في أماليه: حديث فيه ضعف اه. لكن انتصر ابن القطان لتصحيح الحاكم وقال ابن مسعدة: صالح الحديث وغرابته إنما هي فيما انفرد به عن قتادة

الصفحة 16