كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 5)
-[3]- 6245 - (كفى بالموت واعظا) كيف واليوم في الدور وغدا في القبور وفي معناه بيت الحماسة:
أبعد بني أمي الذين تتابعوا. . . أرجى حياة أم من الموت أجزع
كيف وهو المصيبة العظمى والرزية الكبرى وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكير فيه وترك العمل له وأن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر وفكرة لمن افتكر. قيل: أن أعرابيا كان يسير على جمل فخر الجمل ميتا فنزل عنه وجعل يطوف به ويتفكر فيه ويقول: مالك لا تقوم مالك لا تقوم مالك لا تقوم مالك لا تنبعث هذه أعضاءك كاملة وجوارحك سالمة ما شأنك ما الذي كان يبعثك ما الذي صرعك ما الذي عن الحركة منعك ثم تركه وانصرف متفكرا في شأنه متعجبا في أمره وأنشأ يقول:
جاءته من قبل المنون إشارة. . . فهوى صريعا لليدين وللفم
قال الحسن: قد أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم فالتمسوا عيشا لا موت معه وقيل: ذهب ذكر الموت بلذة كل عيش وسرور كل نعيم وقال الغزالي: الموت هو القيامة الصغرى ومن مات فقد قامت قيامته وفي هذه القيامة يكون العبد وحده وعندها يقال له {لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} وفيها يقال له {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} والقيامة الصغرى بالنسبة للكبرى كالولاية الصغرى بالنسبة للكبرى فإن للإنسان ولادتين أحدهما الخروج من الصلب والترائب إلى مستودع الأرحام وهو في الرحم في قرار مكين إلى قدر معلوم وله في سلوكه إلى الكمال منازل وأطوارا من نطفة وعلقة ومضغة وغيرها حتى يخرج من مضيق الرحم إلى فضاء العالم فنسبة عموم القيامة الكبرى إلى الصغرى نسبة فضاء العالم إلى مضيق الرحم ونسبة فضاء العالم الذي يقدم عليه بالموت إلى سعة فضاء الدنيا كنسبة فضاء الدنيا إلى الرحم بل أوسع فقس الآخرة بالأولى فالمقر بالقيامتين مؤمن بعالم الغيب والشهادة والمقر بالصغرى لا الكبرى ناظر بالعين العوراء إلى أحد العالمين وذلك هو الجهل والضلال فما أعظم غفلتك يا مسكين وبين يديك هذه الأهوال فإن كنت لا تؤمن بالكبرى للجهل والضلال أفلا تكفيك القيامة الصغرى ألك اعتذار بعد قول سيد الأبرار كفى بالموت واعظا أما تستحي من استبطائك هجوم الموت إقتداءا برعاع الغافلين الذين لا ينظرون {إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون} فيأتيهم المرض نذيرا من الموت فلا ينزجرون ويأتيهم الشيب رسولا منه فما يعتبرون {فيا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون} أيظنون أنهم في الدنيا خالدون {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} أم يحسبون أن الموتى سافروا من عندهم فهم يعودون كلا {إن كل لما جميع لدينا محضرون} لكن {ما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} قال الحراني: والوعظ دعوة الأشياء بما فيها من العبرة للانقياد للإله الحق مما يخوفها في مقام التذكير بما يرجيها ويبسطها (وكفى باليقين غنى) لأنه سكون النفس عند جولان الموارد في الصدر لتيقنك أن حركتك فيها لا تنفعك ولا ترد عنك مقضيا فإذا رزق العبد السكون إلى قضاء الله والرضى به فقد أوتي الغناء الأكبر قال الخواص: الغنى حق الغنى من أسكن الله قلبه من غناه يقينا ومن معرفته توكلا ومن عطاياه رضى فذاك الغني كل الغنى وإن أمسى طاويا وأصبح معوزا
<تنبيه> قد تضمن هذا الخبر الحث على الزهد وهو أمر قد تطابقت عليه الملل والنحل قال الغزالي: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وصحف موسى وصحف إبراهيم وكل كتاب منزل ما أنزل إلا لدعوة الحق إلى الملك الدائم المخلد والمراد منهم أن يكونوا ملوكا في الدنيا والآخرة أما ملك الدنيا فبالزهد والقناعة وأما الآخرة فبالقرب منه تعالى يدرك بقاء لا فناء فيه وعزا لا ذل معه والشيطان يدعوهم إلى ملك الدنيا ليفوت عليهم ملك الأخرى إذ هما ضرتان ونعيم الدنيا لا يسلم له أيضا لكدرها ومنازعتها وطول الهم والغم وإلا لحسده عليها أيضا فلما كان الزهد أيضا جاء حتى عداه عنه ومعنى الزهد أن يملك العبد شهوته وغضبه -[4]- وبذلك يصير العبد حرا وباستيلاء الشهوة يصير عبدا لبطنه وفرجه وسائر أغراضه فيكون مسخرا كالبهيمة يجره زمام الشهوة إلى حيث يريد فما أعظم اغترار الإنسان أيظن أنه ينال المال بمصيره مملوكا وينال الربوبية بأن يصير عبدا ومثله هل يكون إلا معكوسا في الدنيا منكوسا في الآخرة ولهذا قال بعض الملوك لبعض الزهاد: هل لك حاجة قال: كيف أطلب منك حاجتي وملكي أعظم من ملكك قال: كيف؟ قال: من أنت عبده فهو عبدي أنت عبد شهوتك وغضبك وفرجك وبطنك وأنا ملكتهم فهم عبيدي فهذه هو الملك في الدنيا وهو الجار إلى ملك الآخرة فالمخدوعون بالغرور خسروا الدنيا والآخرة
(طب) من حديث الحسن البصري (عن عمار) بن ياسر وضعفه المنذري وقال العلائي: حديث غريب منقطع لأن الحسن لم يدرك عمارا وفيه أيضا الربيع بن بدر قال الدارقطني: متروك وقال الهيثمي: فيه الربيع بن بدر متروك وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف جدا وهو معروف من قول الفضيل بن عياض
الصفحة 3
528