كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 5)

-[506]- 8128 - (مثل البخيل والمتصدق) في رواية البخيل والمنفق (كمثل) بزيادة الكاف أو مثل (رجلين عليهما جبتان) بضم الجيم وشد الموحدة وروي بنون أي درعان ورجح بقوله (من حديد) وادعى بعضهم أنه تصحيف والجبة الحصن وبها سمي الدرع لأنها تجن صاحبها أي تحصنه والجبة بموحدة ثوب معروف (من ثديهما) بضم المثلثة وكسر الدال المهملة ومثناة تحتية مشددة جمع ثدي كفلس (إلى تراقيهما) جمع ترقوة العظمين المشرفين في أعلى الصدر (فأما المنفق فلا ينفق) شيئا (إلا سبغت) بفتح المهملة وموحدة مخففة وغين معجمة امتدت وعظمت (على جلده حتى تخفى) بضم المثناة الفوقية ومعجمة ساكنة وفاء مكسورة وفي رواية بجيم ونون أي تستر (بنانه) بفتح الموحدة ونونين أصابعه أو أنامله وصحفها بعضهم ثيابه بمثلثة فمثناة تحت (وتعفوا أثره) محركا بالنصب عطفا على تخفي وكلاهما مسند لضمير الجبة أي تمحو أثر مشيه لسبوغها يعني أن الصدقة تستر خطاياه كما يغطي الثوب جميع بدنه والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انشرح لها صدره وطابت بها نفسه فوسع في الإنفاق (وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت) بكسر الزاي التصقت (كل حلقة) بسكون اللام (مكانها) قال الطيبي: قيد المشبه به بالحديد إعلاما بأن القبض والشدة جبلي للإنسان وأوقع المتصدق موضع السخي لجعله في مقابلة البخيل إيذانا بأن السخاء ما أمر به الشارع وندب إليه لا ما يتعاناه المسرفون (فهو يوسعها فلا تتسع) ضرب المثل برجل أراد لبس درع يستجن به فحالت يداه بينها وبين أن تمر على جميع بدنه فاجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته والمراد أن البخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت وضاق صدره وغلت يداه
(حم ق ن عن أبي هريرة) وزعم بعضهم أن قوله وهو يوسعها إلخ مدرج من كلام أبي هريرة وهو وهم لورود التصريح برفعه في رواية
8129 - (مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت) تشبيه البيت بالحي والميت من حيث وجود الذكر وعدمه شبه الذاكر بالحي الذي تزين ظاهره بنور الحياة وإشراقها فيه وبالتصرف التام فيما يريد وباطنه منور بالعلم والفهم فكذا الذاكر يزين ظاهره بنور العمل وباطنه بنور العلم والمعرفة فقلبه قار في حظيرة القدس وسره في مخدع الوصل وغير الذاكر ظاهره عاطل وباطنه باطل وقيل المضاف فيه مقدر أي مثل ساكن البيت واعترض بأن ساكن البيت حي فكيف يكون مثل الميت؟ وأجيب بأن الحي المشبه به من ينتفع بحياته بذكر الله وطاعته فلا يكون نفس المشبه كما شبه المؤمن بالحي والكافر بالميت مع كونهما حيين في آية {أو من كان ميتا فأحييناه} . على أن تشبيه غير الذاكر من جهة أن ظاهره عاطل وباطنه باطل أنسب من تشبيه بيته به
(ق عن أبي موسى)
8130 - (مثل الجليس) على وزن فعيل يقال جالسته فهو جليسي (الصالح و) مثل (الجليس السوء) الأول (كمثل صاحب) في رواية حامل (المسك) المعروف وفي رواية أخرى كحامل المسك وهو أعم من أي يكون صاحبه أو لا (و) الثاني كمثل بزيادة الكاف (كير الحداد) بكسر الكاف أصله البناء الذي عليه الرق سمي به الرق مجازا للمجاورة (لا يعدمك) بفتح أوله وثالثه من العدم أي لا يعدمك إحدى خصلتين أي لا يعدوك -[507]- (من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه) فاعل يعدم مستتر يدل عليه إما أي لا يعدو أحد الأمرين أو كلمة أما زائدة وتشتريه فاعله بتأويله بمصدر وإن لم يكن فيه حرف مصدري ذكره الكرماني وتعقبه البرماوي بأن الظاهر أن الفاعل موصوف تشتري أي إما شيء تشتريه أو تجد ريحه (وكير الحداد يحرق بيتك أو) ثوبك في رواية ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ولم يذكر البيت وهي أوضح (أو تجد منه ريحا خبيثة) بين به النهي عن مجالسة من يتأذى به دينا أو دنيا والترغيب فيمن ينتفع بمجالسته فيهما وجواز بيع المسك وطهارته
(خ) في البيع (عن أبي موسى) الأشعري قال الراغب: نبه بهذا الحديث على أن حق الإنسان أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار ومجالستهم فهي قد تجعل الشرير خيرا كما أن صحبة الأشرار قد تجعل الخير شريرا قال الحكماء: من صحب خيرا أصاب بركته فجليس أولياء الله لا يشقى وإن كان كلبا ككلب أهل الكهف ولهذا أوصت الحكماء الأحداث بالبعد عن مجالسة السفهاء قال علي كرم الله وجهه: لا تصحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله وقالوا: إياك ومجالسة الأشرار فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري وليس إعداء الجليس جليسة بمقاله وفعاله فقط بل بالنظر إليه والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقا مناسبة لخلق المنظور إليه فإن من دامت رؤيته للمسرور سر أو للمحزون حزن وليس ذلك في الإنسان فقط بل في الحيوان والنبات فالحمل الصعب يصير ذلولا بمقاربة الجمل الذلول والذلول قد ينقلب صعبا بمقارنة الصعاب والريحانة الغضة تذبل بمجاورة الذابلة ولهذا يلتقط أهل الفلاحة الرمم عن الزرع لئلا تفسدها ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها؟ فقد قيل سمي الإنس لأنه يأنس بما يراه خيرا أو شرا

الصفحة 506