كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 6)

8741 - (من ستر أخاه المسلم في الدنيا) في قبيح فعله وقوله (فلم يفضحه) بأن اطلع منه على ما يشينه في دينه أو عرضه أو ماله أو أهله فلم يهتكه ولم يكشفه بالتحدث ولم يرفعه الحاكم بالشرط المار (ستره الله يوم القيامة) أي لم يفضحه على رؤوس الخلائق بإظهار عيوبه وذنوبه بل يسهل حسابه ويترك عقابه لأن الله حيي كريم وستر العورة من الحياء والكرم ففيه تخلق بخلق الله والله يحب التخلق بأخلاقه ودعى عثمان إلى قوم على ريبة فانطلق ليأخذهم فتفرقوا فلم يدركهم فأعتق رقبة شكرا لله تعالى أن لا يكون جرى على يديه خزي مسلم
(حم عن رجل) من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضية تصرف المصنف أن ذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين وليس كذلك بل هو في البخاري في المظالم والإكراه ومسلم في الأدب ولفظهما من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ولفظ البخاري من ستر على مسلم إلخ فليس فيما آثره إلا زيادة قوله في الدنيا وهو صفة كاشقة فليس بعذر في العدول عما في الصحيحين عندهم وممن رواه أيضا من الستة الترمذي في الحدود عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ ستره الله في الدنيا والآخرة وكذا أبو داود والنسائي في الرجم فضرب المؤلف عن ذلك كله صفحا واقتصاره على أحمد غير جيد على أن فيه عند أحمد مع كون صحابيه مجهولا مسلم بن أبي الدبال عن أبي سنان المدني قال الهيثمي: ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات
8742 - (من سره) أي أفرحه والفرح كيفية نفسانية تحصل من حركة الروح التي هي القلب إلى خارج قليلا قليلا (أن يكون أقوى) في رواية أكرم (الناس) في جميع أموره وسائر حركاته وسكناته (فليتوكل على الله) لأنه إذا قوي توكله قوي قلبه وذهبت مخافته ولم يبال بأحد {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} وكفى به حسيبا {أليس الله بكاف عبده} وليس في الحديث ما يقتضي ترك الاكتساب بل يكتسب مفوضا مسلما متوكلا على الكريم الوهاب معتمدا عليه طالبا منه غير ملاحظ لتسبب معتقدا أنه لا يعطي ويمنع إلا الله فلا يركن إلى سواه ولا يعتمد بقلبه على غيره قال الغزالي: طالب -[150]- الكفاية من غيره هو التارك للتوكل وهو المكذب بهذه الآية فإن سؤاله في معرض الاستنطاق بالحق ولما أحكم أبناء الآخرة هذه الخصلة وأعطوها حقها تفرغوا للعبادة وتمكنوا من التفرد من الخلق والسياحة واقتحام الفيافي واستيطان الجبال والشعاب فصاروا أقوياء العباد ورجال الدين وأحرار الناس وملوك الأرض بالحقيقة يسيرون حيث شاؤوا وينزلون حيث أرادوا لا عائق لهم ولا حاجز دونهم وكل الأماكن لهم واحد وكل الأزمان عندهم واحد قال الخواص: ولو أن رجلا توكل على الله بصدق نية لاحتاج إليه الأمراء ومن دونهم وكيف يحتاج ومولاه الغني الحميد؟
(ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في) كتاب (التوكل عن ابن عباس) رمز لحسنه ورواه بهذا اللفظ الحاكم والبيهقي وأبو يعلى وإسحاق وعبد بن حميد والطبراني وأبو نعيم كلهم من طريق هشام بن زياد بن أبي المقدام عن محمد القرطبي عن ابن عباس قال البيهقي: في الزهد تكلموا في هشام بسبب هذا الحديث

الصفحة 149