كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 6)

-[31]- 8313 - (من أحب دنياه أضر بآخرته) لأن من أحب دنياه عمل في كسب شهوتها وأكب على معاصيه فلم يتفرغ لعمل الآخرة فأضر بنفسه في آخرته ومن نظر إلى فناء الدنيا وحساب حلالها وعذاب حرامها وشاهد بنور إيمانه جمال الآخرة أضر بنفسه في دنياه يحمل مشقة العبادات وتجنب الشهوات فصبر قليلا وتنعم طويلا ولأن من أحب دنياه شغلته عن تفريغ قلبه لحب ربه ولسانه لذكره فتضر آخرته ولا بد كما أن محبة الآخرة تضر بالدنيا ولا بد كما قال (ومن أحب آخرته أضر بدنياه) أي هما ككفتي الميزان فإذا رجحت إحدى الكفتين حفت الأخرى وعكسه وهما كالمشرق والمغرب ومحال أن يظفر سالك طريق الشرق بما يوجد في الغرب وهما كالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى فالجمع بين كمال الاستئصال في الدنيا والدين لا يكاد يقع إلا لمن سخره الله لتبديل خلقه في معاشهم ومعادهم وهم الأنبياء أما غيرهم فإذا شغلت قلوبهم بالدنيا انصرفت عن الآخرة وذلك أن حب الدنيا سبب لشغله بها والانهماك فيها وهو سبب للشغل عن الآخرة فتخلو عن الطاعة فيفوت الفوز بدرجاتها وهو عين المضرة. بنى ملك مدينة وتأنق فيها ثم صنع طعاما ونصب ببابها من يسأل عنها فلم يعبها إلا ثلاثة فسألهم فقالوا: رأينا عيبين قال: وما هما؟ قالوا: تخرب ويموت صاحبها قال: فهل ثم دار تسلم منهما؟ قالوا: نعم الآخرة فتخلى عن الملك وتعبد معهم ثم ودعهم فقالوا: هل رأيت منا ما تكره؟ قال: لا لكن عرفتموني فأكرمتموني فأصحب من لا يعرفوني. والباء في القرينتين للتعدية (فآثروا ما يبقى على ما يفنى) ومن أحبها صيرها غايته وتوسل إليها بالأعمال التي جعلها الله وسائل إليه والى الآخرة فعكس الأمر وقلب الحكمة فانتكس قلبه وانعكس سره إلى وراء فقد جعل الوسيلة غاية والتوسل بعمل الآخرة بالدنيا وهذا سر معكوس من كل وجه وقلب منكوس غاية الانتكاس وقد ذم الله من يحب الدنيا ويؤثرها على الآخرة بقوله {يحبون العاجلة ويذرون الآخرة} وذم حبها يستلزم مدح بغضها وقال علي: الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب إذا قربت من إحداهما بعدت عن الأخرى
(حم ك) من حديث المطلب بن عبد الله (عن أبي موسى) الأشعري قال الحاكم: على شرطهما ورده الذهبي وقال: فيه انقطاع اه وقال المنذري والهيثمي: رجال أحمد ثقات
8314 - (من أحب أن يسبق الدائب) أي المجد المجتهد من دأب في العمل جد أو تعب (المجتهد) أي المجد البالغ (فليكف عن الذنوب) لأن شؤم الذنوب يورث الحرمان ويعقب الخذلان ويثمر الخسران وقيد الذنوب يمنع من المشي إلى الطاعة ومسارعة الخدمة وثقل الذنوب يمنع من الخفة للخيرات والنشاط في الطاعات. والدين شطران ترك المناهي وفعل الطاعات وترك المناهي وهو الأشد فمن كف عنها فهو من السابقين المجدين حقا والطاعة يقدر عليها كل أحد وترك الشهوات لا يقدر عليها إلا الصديقون وجوارحك نعمة من الله عليك ونعمة لدينك فالاستعانة بنعمة الله على معصيته غاية الكفران والخيانة في الأمانة الموعودة عندك غاية الطغيان
(حل) من حديث عبد الله بن محمد بن النعمان عن فروة بن أبي معراء عن علي بن مسهر عن يوسف بن ميمون عن عطاء (عن عائشة) ثم قال: غريب تفرد به يوسف عن عطاء
8315 - (من أحب أن يتمثل له الرجال) وفي رواية العباد وفي أخرى عباد الله (قياما) أي ينتصب والمثول الانتصاب يعني يقومون قياما بأن يلزمهم بالقيام صفوفا على طريق الكبر والتجوه أو بأن يقام على رأسه وهو جالس قال الطيبي: قياما يجوز كونه مفعولا مطلقا لما في التمثيل من معنى القيام وأن يكون تمييز الاشتراك التمثيل بين المعنيين (فليتبوأ -[32]- مقعده من النار) قال الزمخشري: أمر بمعنى الخبر كأنه قال من أحب ذلك وجب له أن ينزل منزلته من النار وحق له ذلك اه. وذلك لأن ذلك إنما ينشأ عن تعظيم المرء بنفسه واعتقاد الكمال وذلك عجب وتكبر وجهل وغرور ولا يناقضه خير قوموا إلى سيدكم لأن سعدا لم يحب ذلك والوعيد إنما هو لمن أحبه قال النووي: ومعنى الحديث زجر المكلف أن يحب قيام الناس له ولا تعرض فيه للقيام بنهي ولا بغيره والمنهي عنه محبة القيام له فلو لم يخطر بباله فقاموا له أو لم يقوموا فلا لوم عليه وإن أحبه أثم قاموا أو لا فلا يصح الاحتجاج به لترك القيام ولا يناقضه ندب القيام لأهل الكمال ونحوهم اه
(حم د) في الأدب (ت) في الاستئذان (عن معاوية) رمز لحسنه وهو تقصير فقد قال المنذري: رواه أبو داود بإسناد صحيح قال الديلمي: وفي الباب عمرو بن مرة وابن الزبير

الصفحة 31