كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 6)

9800 - (لا تسموا العنب الكرم) زاد في رواية فإن الكرم قلب المؤمن وذلك لأن هذه اللفظة تدل على كثرة الخير والمنافع في المسمى بها وقلب المؤمن هو المستحق لذلك دون شجرة العنب وهل المراد النهي عن تخصيص شجر العنب بهذا الاسم وأن قلب المؤمن أولى به منه فلا يمنع من تسميته بالكرم كما قال في المسكين والرقوب والمفلس إذ المراد أن تسميته بها مع اتخاذ الخمر المحرم منه وصف بالكرم والخير لأصل هذا الشراب الخبيث المحرم وذلك ذريعة إلى مدح المحرم وتهيج النفوس إليه محتمل (ولا تقولوا خيبة الدهر) نهى عنه لأن عادة الجاهلية نسبة الحوادث إلى الزمان فيقولون {وما يهلكنا إلا الدهر} فيسبونه (فإن الله هو الدهر) أي مقلبه والمنصرف فيه على حذف مضاف أو الدهر بمعنى الداهر قال بعض الكاملين: ذهب المحققون إلى أن الدهر من أسماء الله معناه الأزلي الأبدي ولم يكونوا عالمين بتسمية الله به فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم فوجه المنع من سبه بين وفيه الأمر بالمحافظة على الأوضاع وأن لا يتعدى في ذلك قانون السماع وقال ابن العربي: إنما نهى عنه لأن الناس لغفلهم إذا رأوا فعلا عقب فعل نسبوه إليه وخصوه به وإنما هي أفعال الله يترتب بعضها على بعض ولا ينسب لغيره فعلها إلا مجازا فالسب والهجر شيء يكره
(ق) في الأدب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه
9801 - (لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر) فبيعه فيه باطل لعدم العلم به والقدرة على تسليمه الغرر استتار عاقبة الشيء وتردده بين أمرين
(حم هـ حق عن ابن مسعود) ثم قال أعني البيهقي: فيه انقطاع والصحيح موقوف وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح وأورده في الميزان في ترجمة محمد بن السماك وقال: صدوق ليس حديثه بشيء وقال ابن جماعة: فيه انقطاع وقال الهيثمي: رواه أحمد مرفوعا وموقوفا وكذا الطبراني ورجال الموقوف رجال الصحيح وفي رجال المرفوع منهم محمد بن السماك شيخ أحمد لم أجد من ترجمه وبقيتهم ثقات وقال ابن حجر: رواه أحمد مرفوعا وموقوفا من طريق زيد بن أبي زياد عن المسيب بن رافع عنه قال البيهقي: فيه إرسال بين المسيب وعبد الله والصحيح وقفه وكذا الدارقطني وغيره
9802 - (لا تشد) بصيغة المجهول نفي بمعنى النهي لكنه أبلغ منه لأنه كالواقع بالامتثال لا محالة (الرحال) جمع رحل بفتح الراء وحاء مهملة وهو للبعير بقدر سنامه أصغر من القتب كنى بشدها عن السفر إذ لا فرق بين كونه براحلة أو فرس أو بغل أو حمار أو ماشيا كما دل عليه قوله في بعض طرقه في الصحيح إنما يسافر فذكره شدها غالبي (إلا إلى ثلاثة مساجد) الاستثناء مفرغ والمراد لا تسافر لمسجد للصلاة فيه إلا لهذه الثلاثة لا أنه لا يسافر أصلا إلا لها والنهي للتنزيه عند الشافعية كالجمهور وقول عياض والجويني والقاضي حسين للتحريم فيحرم شده الرحل لغيرها كقبور الصالحين والمواضع الفاضلة. قال -[404]- النووي: غلط فإن قوله لا تشد معناه لا فضيلة في شدها. قال الطيبي: وهو أبلغ مما لو قيل لا تسافر لأنه صورة حالة المسافر وتهيئة أسبابها وأخرج النهي مخرج الإخبار أي لا ينبغي ولا يستقيم أن تقصد الزيارة بالراحلة إلا إلى هذه الثلاثة (المسجد الحرام) بالجر بدل من ثلاثة وبالرفع خبر مبتدأ محذوف وتالياه معطوفان عليه والمراد به هنا نفس المسجد لا الكعبة ولا مكة ولا الحرم كله وإن كان يطلق على الكل الحرام بمعنى المحرم (ومسجدي هذا) في رواية مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل لعله من تصرف الرواة (والمسجد الأقصى) وهو بيت المقدسي سمي به لبعده عن مسجد مكة مسافة أو زمنا أو لكونه لا مسجد وراءه أو لأنه أقصى موضع من الأرض ارتفاعا وقربا إلى السماء خص الثلاثة لأن الأول إليه الحج والقبلة والثاني أسس على التقوى والثالث قبلة الأمم الماضية ومن ثم لو نذر إتيانها لزمه عند مالك وأحمد وكذا عن بعض الشافعية لكن الصحيح عندهم قصره على الأول لتعلق النسك به وقال الحنفية يلزمه إذا نذر المشي لا الإتيان وشدها لغير الثلاثة لنحو علم أو زيارة ليس للمكان بل لمن فيه قال البيضاوي: ينبغي أن لا يشتغل إلا بما فيه صلاح دنيوي وفلاح أخروي ولما كان ما عدا الثلاثة من المساجد متساوية الأقدار في الشرف والفضل وكان التنقل والارتحال لأجلها عبثا ضائعا نهى الشارع عنه والمتقضي لشرفها أنها أبنية الأنبياء ومتعبداتهم
(حم ق د ن هـ عن أبي هريرة حم ق ت عن أبي سعيد) الخدري (هـ عن ابن عمرو) بن العاص

الصفحة 403