كتاب فيض القدير (اسم الجزء: 6)

9984 - (لا يقص على الناس) أي لا يتكلم عليهم بالقصص والإفتاء قال الطيبي: قوله لا يقص ليس بنهي بل هو نفي وإخبار أن هذا الفعل ليس بصادر إلا من هؤلاء (إلا أمير) أي حاكم وهو الإمام قال حجة الإسلام: وكانوا هم المفتين (أو مأمور) أي مأذون له في ذلك من الحاكم (أو مرائي) وهو من عداهما سماه مرائيا لأنه طالب للرياسة متكلف ما لم يكلفه الشارع حيث لم يؤمر بذلك لأن الإمام نصب للمصالح فمن رآه لائقا نصبه للقص أو غير لائق فلا. هذا ما قرره حجة الإسلام. وقصر الزمخشري له على أن المراد خصوص الخطبة لا ملجأ إليه فلا معول عليه
<تنبيه> قال الراغب: لا يصلح الحكيم لوعظ العامة لا لنقص فيه بل لنقص في العامة فلن ترى الشمس أبصار الخفافيش وبين الحكيم والعامي من تنافي طبعيهما وتنافر شكليهما من التنافر كما بين الماء والنار والليل والنهار وقد قيل لسلمة بن كهيل ما لعلي رفضته العامة وله في كل خير ضرس قاطع قال: لأن وضوء عيونهم قصير عن نوره والناس إلى أشكالهم أميل وقال جاهل لحكيم: أحبك فقال: نعيت إلى نفسي قيل: ولم قال: لأنه إن صدق فليس حبه إلا إلى نقيصة بدت من نفسي لنفسه فأنست به وعليه قال الشاعر:
لقد زادني حبا لنفسي أنني. . . بغيض إلى كل امرئ غير طائل
فحق الواعظ أن يكون له مناسبة إلى الحكماء يقدر على الاقتباس عنهم والاستفادة منهم ومناسبة إلى الدهماء يقدرون على الأخذ عنه كالوزير للسلطان الذي يجب أن يكون فيه أخلاق الملوك وتواضع السوقة ليصلح كونه واسطة بينه وبينهم وكالنبي الذي جعله الله من البشر وأعطاه قوة الملك ليمكنه التلقي من الملك ويمكن البشر الأخذ عنه وإليه الإشارة بقوله {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} تنيها على أن ليس في وسعكم التلقي عن الملك ما لم يتجسم فيصير كصورة رجل فحق الواعظ أن يكون له نسبة إلى الحكيم وإلى العامة يأخذ منهم ويعطيهم كنسبة الغضاريف إلى العظم واللحم جميعا ولولاها لم يكن للعظم اكتساب الغذاء من اللحم فتأمله فإنه بديع جدا
(حم هـ عن ابن عمرو) بن العاص وهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الحافظ العراقي: وإسناده حسن ومن ثم رمز المؤلف لحسنه ثم إن ما ذكر من أن الحديث هكذا فحسب هو ما وقع للمؤلف والذي وقفت عليه في سند أحمد لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال أو مرائي فلعل المؤلف سقط من قلمه المختال
9985 - (لا يلدغ المؤمن) بدال مهملة وغين معجمة وفي رواية العسكري لا يسع بسين وعين مهملتين (من حجر) بضم الجيم فحاء مهملة (مرتين) روي برفع الغين نفي معناه المؤمن المتيقظ الحازم لا يؤتى من قبل الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى وبكسرها نهي أي ليكن فطنا كيسا لئلا يقع في مكروه بعد وقوعه فيه مرة قبلها وذا من جوامع كلمه التي لم يسبق إليها أراد به تنبيه المؤمن على عدم عوده لمحل حصول مضرة سبقت له فيه وكما أن هذا مطلوب في أمر الدنيا -[455]- فكذا في أمور الآخرة فالمؤمن إذا أذنب ينبغي أن يتألم قلبه كاللديغ ويضطرب ولا يعود كما فعل يوسف بعد همه بزليخا كان لا يكلم امرأة حتى يرسل على وجهه شيئا (1) وهذا الحديث فيه قصة وهو ما أخرجه العسكري أن هشام بن عبد الملك قضى عن الزهري سبعة آلاف دينار وقال: لا نعد لمثلها فقال الزهري: يا أمير المؤمنين حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره قال العسكري: وهذا قاله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لأبي عزة الجمحي الشاعر وكان يهجوه ويحرض عليه الكفار وكان قد أصابه مرض فتجنبه الناس فضرب بطنه بشفرة فمارت عن جوفه وشقت جلده فخلص من البرص فأسر يوم بدر فسأل المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يمن عليه فعاهده أن لا يحرض عليه وأطلقه ثم حضر أحدا مع الكفار فلما خرج المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد أسره وسأله أن يمن عليه فقال: كلا لا تتحدث بالأبطح وتفتل سباليك وتقول خدعت محمدا مرتين ثم ذكر الحديث وأمر به فقتل فصار الحديث مثلا ولم يسمع ذلك قبل المصطفى صلى الله عليه وسلم قال الطيبي: لما رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم من نفسه الزكية الميل إلى الحلم والعفو عنه جرد منها مؤمنا كاملا حازما ذا شهامة ونهاه عن ذلك تأنيبا يعني ليس من شيمة المؤمن الحازم الذي يغضب لله ويذب عن دينه أن ينخدع من مثل هذا الغادر والمتمرد مرة بعد أخرى فاتته عن حدث الحلم وامض لشأنك في الانتقام والانتصار من عدو الله فإن مقام الغضب لله يأبى التحلم والعفو وأنشد النابغة في المعنى:
ولا يخر في حلم إذا لم تكن له. . . بوادر تحمى صفوه أن يكدرا
(حم ق د) في الأدب (هـ) في الفتن (عن أبي هريرة حم هـ عن ابن عمر) بن الخطاب
_________
(1) فيه نظر فإن الأنبياء معصومون لقوله تعالى {الله أعلم حيث يجعل رسالته}

الصفحة 454