كتاب الفقيه والمتفقه - الخطيب البغدادي (اسم الجزء: 1)
مَنْطُوقِ النُّصُوصِ , وَالظَّوَاهِرِ وَمَفْهُومِهَا , وَفِي أَفْعَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِقْرَارِهِ وَلَيْسَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ وَلَا نَصِّ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَارُضٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] , وَقَالَ مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى , إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤] , فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ , وَأَنَّ كَلَامَ نَبِيِّهِ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِهِ , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّهُ مُتَّفِقٌ , وَأَنَّ جَمِيعَهُ مُضَافٌ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ , وَمَبْنِيُّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ إِمَّا بِعَطْفٍ , أَوِ اسْتِثْنَاءٍ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ , وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي:
أنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيُّ , أنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاقِدُ , أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ , نا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ , أَخْبَرَنِي عَمْرٌو , عَنِ ابْنِ شِهَابٍ , عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ , قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا , فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ , ابْتَعْ هَذِهِ فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوَفْدِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» , أَوْ قَالَ: «إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ» قَالَ: فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ , ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ , فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ , حَتَّى أَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتُ: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ⦗٥٣٦⦘: «تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ أَوْ نَحْوَ هَذَا» فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْلِيمٌ لِاسْتِعْمَالِ السُّنَنِ , وَالْأَخْذِ بِهَا كُلِّهَا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبَاحَ مِلْكَ الْحُلَّةِ مِنَ الْحَرِيرِ وَبَيْعَهَا وَهِبَتَهَا وَكُسْوَتَهَا لِلنِّسَاءِ , وَأَمَرَ عُمَرَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ اللِّبَاسَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ فَقَطْ , وَلَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ
الصفحة 535