كتاب الفقيه والمتفقه - الخطيب البغدادي (اسم الجزء: 2)

بَابُ الْكَلَامِ فِي أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينِ , وَهَلِ الْحَقُّ فِي وَاحِدٍ أَوْ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ إِذَا اخْتَلَفَ الْمُجْتَهِدُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ , فَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ , وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , وَذُكِرَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ , أَحَدُهُمَا: مِثْلُ هَذَا , وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْأَقْوَالِ , وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ , وَقِيلَ: لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ إِلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ , وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفِينَ , وَمَا عَدَاهُ خَطَأٌ , إِلَّا أَنَّ الْإِثْمَ مَوْضُوعٌ عَنِ الْمُخْطِئِ فِيهِ
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلُ هَذَا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَتُوثِيُّ , أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ , نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ الْمَرْوَزِيُّ , نَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ , قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي: ابْنَ الْمُبَارَكِ عَنِ اخْتِلَافِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كُلُّهُ صَوَابٌ؟ فَقَالَ: «الصَّوَابُ وَاحِدٌ , وَالْخَطَأُ مَوْضُوعٌ عَنِ الْقَوْمِ , أَرْجُو» قُلْتُ: فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلٍ مِنَ الْأَقَاوِيلِ فَهُوَ أَيْضًا مَوْضُوعٌ عَنْهُ , قَالَ ⦗١١٥⦘: «نَعَمْ , أَرْجُو إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ اخْتَارَ قَوْلًا حَتْمًا , ثُمَّ نَزَلَ بِهِ شَيْءٌ , فَتَحَوَّلَ إِلَى غَيْرِهِ , تَرَخُّصًا لِلشَّيْءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ» وَحَكَى أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ: أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ

الصفحة 114