كتاب الفقيه والمتفقه - الخطيب البغدادي (اسم الجزء: 2)
فَأَمَّا مَنْ أَفْتَى عَامِّيًّا , فَلَا يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَلَكِنْ رُبَّمَا اضْطُرَّ الْمُفْتِي فِي فَتْوَاهُ إِلَى أَنْ يَقُولَ وَهَذَا إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ يَقُولَ: لَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا فِي هَذَا , أَوْ يَقُولَ: مَنْ خَالَفَ هَذَا الْجَوَابَ فَقَدْ فَارَقَ الْوَاجِبَ وَعَدَلَ عَنِ الصَّوَابِ , أَوْ يَقُولَ: فَقَدْ أَثِمَ , وَوَاجِبٌ عَلَى السُّلْطَانِ إِلْزَامُ الْأَخْذِ بِجَوَابِنَا أَوْ بِهَذِهِ الْفَتْوَى , وَمَا قَارَبَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَلَى حَسَبِ السُّؤَالِ وَمَا تُوجِبُهُ الْمَصْلَحَةُ وَتَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَإِذَا رَأَى الْمُفْتِي مِنَ الَمْصَلَحَةِ عِنْدَمَا تَسْأَلُهُ عَامَّةٌ أَوْ سُوقَةٌ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا لَهُ فِيهِ تَأَوُّلٌ , وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ ذَلِكَ , بَلْ لِرَدْعِ السَّائِلِ , وَكَفِّهِ , فَعَلَ , فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ , فَقَالَ: لَا تَوْبَةَ لَهُ , وَسَأَلَهُ آخَرُ فَقَالَ: لَهُ تَوْبَةٌ , ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الْأَوَّلُ: فَرَأَيْتُ فِيَ عَيْنَيْهِ إِرَادَةَ الْقَتْلِ فَمَنَعْتُهُ , وَأَمَّا الثَّانِي: فَجَاءَ مُسْتَكِينًا , وَقَدْ قَتَلَ فَلَمْ أُويِسْهُ
أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِئُ , أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُخْلِصُ , نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ خُشَيْشٍ , نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ شَاكِرٍ الصَّائِغُ , نا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ , نا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ , عَنْ عَطِيَّةَ , قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ شَابٌّ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ , فَقَالَ: «أَنْهَاكَ عَنْهَا» , قَالَ: فَسَأَلَهُ شَيْخٌ , فَقَالَ: «آمُرُكَ بِهَا» , قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ الشَّابُّ , فَقَالَ: إِنَّا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ , فَيَحِلُّ لِهَذَا شَيْءٌ يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «إِنَّ عُرُوقَ الْخَصْيَتَيْنِ مُتَعَلِّقَةٌ بِطَرَفِ الْأَنْفِ , فَإِذَا شَمَّ تَحَرَّكَ الْعِرْقُ» ⦗٤٠٨⦘ قُلْتُ: أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ , أَنَّ الشَّابَّ قَوِيُّ الشَّهْوَةِ , فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تُحْدِثَ لَهُ الْقُبْلَةُ مَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ , وَالشَّيْخُ يُؤْمَنُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ , لِضَعْفِ شَهْوَتِهِ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُ فَتْوَى ابْنِ عُمَرَ:
الصفحة 407