كتاب الفقيه والمتفقه - الخطيب البغدادي (اسم الجزء: 2)

مَالِكٍ , وَبَعْدَ مَالِكٍ , فَرَأَيْتُ رَجُلًا فَقِيهًا عَالِمًا , حَسَنُ الْمَعْرِفَةِ , بَيِّنُ الْبَيَانِ , عَذْبُ اللِّسَانِ يَحْتَجُّ وَيُعْرِبُ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِصَدْرِ سَرِيرٍ أَوْ ذِرْوَةِ مِنْبَرٍ , وَمَا عَلِمَتْ أَنَّنِي أَفَدْتُهُ حَرْفًا , فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ , وَلَقَدِ اسْتَفَدْتُ مِنْهُ , مَا لَوْ حَفِظَ رَجُلٌ يَسِيرَهُ لَكَانَ عَالِمًا " وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى مُطَالَعَةِ كُتُبِهِ عِنْدَ وَحْدَتِهِ , وَرِيَاضَةِ نَفْسِهِ فِي خَلْوَتِهِ , بِذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَحِكَايَةِ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ , لِئَلَّا يِنْحَصِرَ فِي مَجَالِسِ النَّظَرِ إِذَا رَمَقَتْهُ أَبْصَارُ مَنْ حَضَرَ
قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ الْفَضْلِ , عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ , قَالَ: نا ابْنُ إِدْرِيسَ , بِهَرَاةَ , نا الرَّبِيعُ , قَالَ: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: مَنْ أَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الْمُنَاظَرَةِ؟ فَقَالَ: «مَنْ عَوَّدَ لِسَانَهُ الرَّكْضَ فِي مَيْدَانِ الْأَلْفَاظِ , وَلَمْ يَتَلَعْثَمْ إِذَا رَمَقَتْهُ الْعُيُونُ بِالْأَلْحَاظِ , وَلَا يَكُونُ رَخِيَّ الْبَالِ , قَصِيرَ الْهِمَّةِ , فَإِنَّ مَدَارِكَ الْعِلْمِ صَعْبَةٌ لَا تَنَالُ إِلَّا بِالْجَدِّ وَالِاجْتِهَادِ , وَلَا يَسْتَحْقِرُ خَصْمَهُ لِصِغَرِهِ فَيُسَامِحُهُ فِي نَظَرِهِ , بَلْ يَكُونُ عَلَى نَهْجٍ وَاحِدٍ فِي الِاسْتِيفَاءِ وْالِاسْتِقْصَاءِ , لِأَنَّ تَرْكَ التَّحَرُّزَ وَالِاسْتِظْهَارَ يُؤَدِّي إِلَى الضَّعْفِ وَالِانْقِطَاعِ»
أنا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَوَارِسِ الْحَافِظُ , أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ , نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ , قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ ⦗٥٧⦘: «إِنَّمَا يَقْتُلُ الْكِبَارَ الْأَعْدَاءُ الصِّغَارُ , الَّذِينَ لَا يُخَافُونَ فَيُتَّقُونَ , وَلَا يُؤْبَهُ لَهُمْ وَهُمْ يَكِيدُونَ»

الصفحة 56