كتاب شرح الفارضي على ألفية ابن مالك (اسم الجزء: 2)

والوجهان في قوله تعالَى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (٦) وَنَرَاهُ قَرِيبًا}؛ فهي فِي (يرونه): بمعنَى الظّن وفي (نراه): بمعنَى العلم؛ أَي: تظنونه بعيدًا ونعلمه قريبًا.
* والقسم الثّاني من قسمي أفعال هذا الباب أفعال التّحويل، وهي كأفعال القلوب في التّعدية إِلَى مفعولين؛ كما قال. (والّتي كصيَّرا أَيضًا بِها انصِبْ مُبتدًا وخَبَرا).
وهي: (جعل)، و (ردّ)، و (ترك)، و (صير)، و (اتخذ)، و (تخذ)، و (هب).
قال تعالَى: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}، {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا}، {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}، {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}.
ونحو قولِ الشّاعرِ:
تَخِذَتْ غِرَازَ إِثرِهِمْ دَلِيلا ... .................... (¬١)
---------------
وأوضح المسالك ١/ ٣٠٥، وتخليص الشّواهد ٤٣٥، والمغني ٨٣٣، والمقاصد النّحويّة ٢/ ٣٨٢، والتّصريح ١/ ٢٤٩.
اللغة: كنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة: أي: كنّا نطمع في أمرٍ فوجدناه على خلاف ما كنّا نظنّ.
المعنى: إِنّا كنّا نظنّ أنّ النّاس سواء في الخوَر والجبن، وأنّهم متى لقوا مَن لا قِبَل لهم بحربه مثل قومنا فرُّوا عنهم؛ ولكن هذا الظّنّ لم يلبث أنْ زال حين لقينا هاتين القبيلتين؛ فلقينا بلقائهم البأس والشّدّة.
الشَّاهد: فيه: (حسبنا كلّ بيضاء شحمة) حيث استعمل (حسب) بمعنى الرّجحان، فنصب به مفعولين؛ أوّلهما قوله: (كلّ بيضاء)، وثانيهما قوله: (شحمة).
(¬١) التخريج: صدر بيت من الوافر، وعجزه قوله: وفرُّوا فِي الحِجَازِ لِيُعْجِزُونِي
وهو ثالث ثلاثة أبيات يقولها الشاعر أبو جندب الهذلي، الملقب بالمشؤوم، في بني لحيان:
لَقَدْ أَمْسَى بَنُو لحيَانَ مِنِّي ... بِحَمْدِ اللَّهِ فِي خزْي مُبِينِ
جَزَيْتُهُم بِمَا أَخَذُوا تلادِي ... بَنِي لحيَان كَيْلا يَحرَبوني
والشاهد من شواهد: التصريح: ١/ ٢٥٢، والأشموني: ٣٢٩/ ١/ ١٥٨ والعيني: ٢/ ٤٠٠ وديوان الهذليين: ٣/ ٩٠.
اللغة: غراز: اسم واد، وقيل اسم جبل. إثرهم: عقب رحيلهم. ليعجزوني: ليغلبوني، وذلك بأن يفلتوا مني فلا أدركهم.
المعنى: يذم الشاعر بني لحيان -وكانت بينه وبينهم خصومة- فيقول: تتبعت أثرهم بعد رحليهم؛ ولكنهم فروا إلى الحجاز؛ ليعجزوني؛ فلا أدركهم.
الإعراب: تخذت: فعل ماضٍ وفاعل، وفعل (تخذت) دال على التصيير، وهو بمعنى جعل في هذا

الصفحة 12