كتاب الفتاوى - محمد الأمين الشنقيطي (اسم الجزء: الكتاب)
الشخصي دون غيره كائنًا ما كان، سواء كان الفراغ الكائن فوق المسمى المشخص بعلمه أو غير ذلك من الأماكن الأخرى. وإذا علمت ذلك فاعلم أن الله تعالى رتَّب بالفاء قوله: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، على كونهما من شعائر الله، وفي قوله تعالى: {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} إجمال يحتاج إلى بيان كيفية التطوف ومكانه ومبدئه ومنتهاه. وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا النص القرآني بالسعي بين الصفا والمروة مبينًا أن فعله المذكور واقع لبيان القرآن العظيم المذكور، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم" (¬١)، وقوله: "ابدؤا بما بدأ الله به" (¬٢) يعني الصفا في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} الآية، ومن جملة البيان المذكور بيان جواز السعي حالة الركوب على الراحلة (¬٣)، ففعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو سعيه بين الصفا والمروة مبينًا لذلك مراد الله في كتابه لا يجوز العدول عنه في كيفيته ولا عدده ولا مكانه ولا مبدئه ولا منتهاه إلَّا بدليل يجب
---------------
(¬١) تقدم تخريجه قريبًا.
(¬٢) أخرجه بهذا اللفظ: "ابدأوا" بصيغة الأمر: النسائي: (٢٩٦٢)، والدارقطني: ٢/ ٢٥٤، وابن حزم في المحلى: ٢/ ٩٢.
قال الحافظ في التلخيص: ٢/ ٢٥٠: "وصححه ابن حزم، وله طرق عند الدارقطني". وأخرجه بلفظ: "أبدأ" بصيغة الخبر: مسلم: (١٢١٨). وأخرجه أصحاب السنن وغيرهم بلفظ: "نبدأ" بالنون.
(¬٣) ثبت ذلك في صحيح مسلم: (١٢٧٣)، من حديث جابر رضي الله عنه قال: "طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس، وليشرف وليسألوه، فإن الناس قد غشوه".
ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما في سياق طويل: (١٢٦٤).
وانظر: إرواء الغليل: ٤/ ٣١٤ - ٣١٦.