كتاب فتح الباري لابن رجب (اسم الجزء: 3)

ومقصود البخاري بهذا الحديث في هذا الباب: أن من صلى إلى غير القبلة لعذر، مثل أن يظن أن القبلة في جهة فيصلي إليها، ثم تبين له أن جهة القبلة غيرها، إما في الصلاة أو بعد تمامها، فإنه لا إعادة عليه، وأن كان قد صلى إلى غير القبلة سهوا، فإنه استند إلى ما يجوز له الإسناد إليه عند اشتباه القبلة، وهو اجتهاده، وعمل بما أداه اجتهاده إليه، فلا يكون عليه إعادة.
كما أن أهل قباء صلوا بعض صلاتهم إلى بيت المقدس، مستصحبين ما أمروا به من استقبال بيت المقدس، ثم تبين لهم أن الفرض تحول إلى الكعبة، فبنوا على صلاتهم وأتموها إلى الكعبة.
وهذا هو قول جمهور العلماء، منهم: ابن المسيب، وعطاء، والحسن،
والشعبي، والثوري، وابن المبارك، وأبو حنيفة، والشافعي - في القديم -، وأحمد في ظاهر مذهبه، حتى قال أبو بكر عبد العزيز: لا يختلف قوله في ذلك، وهو قول إسحاق والمزني.
وقال مالك والأوزاعي: يعيد في الوقت، ولا يعيد بعده.
قال ابن عبد البر: وهذا على الاستحباب دون الوجوب.
وقال الشافعي - في الجديد -: يجب عليه أن يعيد.
وعليه عامة أصحابه، وهو قول المغيرة المخزومي من المالكية، وحكاه بعض أصحابنا رواية عن أحمد.
وفرقوا بين هذا وبين أهل قباء، بأن أهل قباء لم يعتمدوا في صلاتهم على اجتهاد يحتمل الخطأ، بل على نص تمسكوا به، والناسخ له لم

الصفحة 100