كتاب فتح الباري لابن رجب (اسم الجزء: 3)

المشروعة في كتابهم المنزل على نبيهم وهي الصلاة إلى الكعبة، وإلا فمن صلى إلى بيت المقدس بعد نسخه كاليهود أو إلى المشرق كالنصارى فليس بمسلم، ولو شهد بشهادة التوحيد.
وفي هذا دليل على عظم موقع استقبال القبلة من الصلاة؛ فإنه لم يذكر من شرائط الصلاة غيرها، كالطهارة وغيرها.
وذكره أكل ذبيحة المسلمين، فيه إشارة إلى أنه لا بد من التزام جميع شرائع الإسلام الظاهرة، ومن أعظمها أكل ذبيحة المسلمين، وموافقتهم في ذبيحتهم، فمن امتنع من ذلك فليس بمسلم.
وقد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمتحن أحيانا من يدخل في الإسلام، وقد كان يرى في دينه الأول الامتناع من أكل بعض ذبيحة المسلمين، بإطعامه مما كان يمتنع من أكله؛ ليتحقق بذلك إسلامه.
فروي أنه عرض على قوم - كانوا يمتنعون في جاهليتهم من أكل القلب، ثم دخلوا في الإسلام - أكل القلب، وقال لهم: ((أن إسلامكم لا يتم إلا بأكله)) .
فلو أسلم يهودي، وأقام ممتنعا من أكل ذبائح المسلمين، كان ذلك دليلا على عدم دخول الإسلام في قلبه، وهذا الحديث يدل على أنه لا يصير بذلك مسلما.
ويشهد لذلك: قول عمر فيمن أسلم من أهل الأمصار وقدر على الحج ولم
يحج، أنه هم بضرب الجزية عليهم، وقال: ما هم بمسلمين.

الصفحة 57