كتاب فتح الباري لابن رجب (اسم الجزء: 3)

الكرماني، وهذا يفضي إلى تضليل سلف الأمة، والطعن في صلاتهم.
واستحب بعضهم الاستدلال بعروض البلدان وأطوالها ومراعاة ذلك في
الاستقبال، وأن لم يوجبوه كما قاله يحيى بن آدم وغيره.
والصحيح: ما قاله الإمام أحمد: أن ذلك كله غير مستحب مراعاته.
وبذلك يعلم أن من أوجب تعلم هذه الأدلة، وقال: أنه فرض عين أو كفاية - ممن ينتسب إلى الإمام أحمد - فلا أصل لقوله، وإنما تلقاه من قواعد قوم آخرين تقليدا
لهم.
ويدل على ذلك من الأدلة الشرعية: قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)) ، وخنس إبهامه في الثالثة، ثم قال: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة)) .
فتبين أن ديننا لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب، كما يفعله أهل الكتاب من ضبط عباداتهم بمسير الشمس وحسباناتها، وأن ديننا في ميقات الصيام معلق بما يرى بالبصر وهو رؤية الهلال، فإن غم أكملنا عدة الشهر ولم نحتج إلى حساب.
وإنما علق بالشمس مقدار النهار الذي يجب الصيام فيه، وهو متعلق بأمر مشاهد بالبصر - أيضا -، فأوله طلوع الفجر الثاني، وهو مبدأ ظهور الشمس على وجه

الصفحة 67