كتاب فتح الباري لابن رجب (اسم الجزء: 6)

عدم ذكر قراءة البسملة فِي القراءة، وهذه زيادة من ثقات عدول حفاظ، تقضي عَلَى كل لفظ محتمل، فكيف لا تقبل؟ لا سيما وممن زاد هذه الزيادة الأوزاعي فقيه أهل الشام وإمامهم وعالمهم، مَعَ مَا اشتهر من بلاغته وفصاحته وبلوغه الذروة العليا من ذَلِكَ.
والذي رَوَى نفي قراءة البسملة من أصْحَاب حميد هُوَ مَالِك، ومالك مَالِك فِي فقهه وعلمه وورعه وتحريه فِي الرواية، فكيف ترد روايته المصرحة بهذا المعنى برواية شيوخ ليسوا فقهاء لحديث حميد بلفظ محتمل؟
فالواجب فِي هَذَا ونحوه: أن تجعل الرواية الصريحة مفسرة للرواية المحتملة؛ فإن هَذَا من بَاب عرض المتشابه عَلَى المحكم، فأما رد الروايات الصريحة للرواية المحتملة فغير جائز، كما لا يجوز رد المحكم للمتشابه.
ومن زعم: أن ألفاظ الحَدِيْث متناقضة فلا يجوز الاحتجاج بِهِ فَقَدْ أبطل، وخالف مَا عَلِيهِ أئمة الإسلام قديماً وحديثاً فِي الاحتجاج بهذا الحَدِيْث والعمل بِهِ.
وأيضاً؛ فأي فائدة فِي رِوَايَة أَنَس أو غيره: أن القراءة تفتتح بفاتحة الكتاب، فتقرأ الفاتحة قَبْلَ السورة، وهذا أمر معلوم من عمل الأمة، لَمْ يخالف فِيهِ منهم أحد، ولا اختلف فِيهِ اثنان، لا يحتاج إلى الإخبار بِهِ، كما أن أحداً من الصَّحَابَة لَمْ يرو فِي أمور الصلاة مَا كَانَ مقرراً عِنْدَ الأمة، لا يحتاج إلى الإخبار بِهِ، مثل عدد الركعات بعد استقرارها أربعاً، ومثل الجهر فيما يجهر بِهِ والإسرار فيما يسر، ونحو ذَلِكَ مِمَّا لا فائدة فِي الإخبار بِهِ.
فكذلك ابتداء القراءة بالفاتحة، لا يحتاج إلى الإخبار بِهِ، ولا إلى السؤال عَنْهُ، وقد كَانَ أَنَس يسأل عَن هَذَا - كما قَالَ قتادة: نحن سألناه عَنْهُ، وقد تقدم - وكان يَقُول - أحياناً -: مَا سألني عَن هَذَا أحد.

الصفحة 394