كتاب فتح الباري لابن رجب (اسم الجزء: 6)
جابر، عَن مُحَمَّد بْن أَبِي السري، عَن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أويس، عَن مَالِك، عَن حميد، عَن أَنَس، قَالَ: صليت خلف النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلف أَبِي بَكْر وخلف عُمَر وخلف عُثْمَان وخلف عَلِيّ، فكلهم كانوا يجهرون بقراءة ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
وتخريج هَذَا فِي ((المستدرك)) من المصائب، ومن يخفى عَلِيهِ أن هَذَا كذب عَلَى مَالِك، وأنه لَمْ يحدث بِهِ عَلَى هَذَا الوجه قط؛ إنما رَوَى عَن حميد، عَن أَنَس، أن أَبَا بَكْر وعمر وعثمان كانوا لا يقرأون: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) .
هكذا خرجه فِي ((الموطإ)) ، ورواه عَنْهُ جماعة، وذكروا فِيهِ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضاً - وقد سبق ذكر ذَلِكَ.
فمن اتقى وأنصف علم أن حَدِيْث أنس الصحيح الثابت لا يدفع بمثل هذه المناكير والغرائب والشواذ الَّتِيْ لَمْ يرض بتخريجها أصْحَاب الصحاح، ولا أهل السنن مَعَ تساهل بعضهم فيما يخرجه، ولا أهل المسانيد المشهورة مَعَ تساهلهم فيما يخرجونه.
وإنما جمعت هذه الطرق الكثيرة الغريبة والمنكرة لما اعتنى بهذه المسألة من اعتنى بِهَا، ودخل فِي ذَلِكَ نوع من الهوى والتعصب، فإن أئمة الإسلام المجتمع عليهم إنما قصدوا اتباع مَا ظهر لهم من الحق وسنة رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يكن لهم قصد فِي غير ذَلِكَ - رضي الله عنهم -، ثُمَّ حدث بعدهم من كَانَ قصده أن تكون كلمة فلان وفلان هِيَ العليا، ولم يكن ذَلِكَ قصد أولئك المتقدمين، فجمعوا وكثروا الطرق والروايات
الصفحة 406
464