كتاب فتح الباري لابن رجب (اسم الجزء: 6)

بنور إيمانه، وَهُوَ من كمال مقام الإحسان.
وأما النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنه كشف ذَلِكَ لَهُ فرآه عياناً بعين رأسه، هَذَا هُوَ الظاهر، ويحتمل أن يكون جلي ذَلِكَ لقلبه.
وقوله: ((أي رب، وأنا معهم)) يشير إلى قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33] ، فخشي أن يكون إدناؤها مِنْهُ عذاباً أرسل عَلَى الأمة، فاستفهم عَن ذَلِكَ، وَقَالَ: ((أتعذبهم وأنا معهم؟)) بحذف همزة الاستفهام.
وهذا القول، الظاهر: أَنَّهُ كَانَ بقلبه دون لسانه، وكذلك سؤاله عَن المرأة؛ فإن عالم الغيب فِي هذه الدار إنما تدركه الأرواح دون الأجساد - غالباً -، وقد تدرك بالحواس الظاهرة لمن كشف الله لَهُ ذَلِكَ من أنبيائه ورسله، ويحتمل أن يكون قوله:
((وأنا فيهم)) بلسانه؛ لأن هَذَا من بَاب الدعاء؛ فإنه إشارة مِنْهُ إلى أَنَّهُ موعود بأنه لا تعذب أمته وَهُوَ فيهم.
يدل عَلَى ذَلِكَ: مَا رَوَى عَطَاء بْن السائب، عَن أَبِيه، عَن عَبْد الله بْن عَمْرِو بْن العاص، قَالَ: كسفت الشمس عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر الحَدِيْث بطوله، وفيه: فجعل ينفخ فِي آخر سجوده فِي الركعة الثانية، ويبكي، ويقول: ((لَمْ تعدني هَذَا وأنا فيهم، لَمْ تعدني هَذَا ونحن نستغفرك)) - وذكر بقية الحَدِيْث.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي.

الصفحة 435