كتاب فتح الباري لابن رجب (اسم الجزء: 6)

وأما سؤاله عَن المرأة فلا يحتمل أن يكون بلسانه. والله أعلم.
وفي الجملة؛ فإن كَانَ البخاري ذكر هَذَا الباب للاستدلال بهذا الحَدِيْث عَلَى أن نظر المصلي إلى مَا بَيْن يديه غير قادح فِي صلاته، فَقَدْ ذكرنا أن الحَدِيْث لا دليل فِيهِ عَلَى النظر إلى الدنيا ومتعلقاتها، وإن كَانَ مقصوده الاستدلال بِهِ عَلَى استحباب الفكر للمصلي فِي الآخرة ومتعلقاتها، وجعل نظر النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ إلى الجنة بقلبه كَانَ حسناً؛ لأن المصلي مأمور بأن يعبد الله كأنه يراه، فينبغي لَهُ أن يسغرق فكره فِي قربه من الله، وفيما وعد الله أولياءه، وتوعد بِهِ أعداءه، وفي الفكر فِي معاني مَا يتلوه من القرآن.
وقد كَانَ السلف الصالح ينجلي الغيب لقلوبهم فِي الصلاة، حَتَّى كأنهم ينظرون إليها رأى عين، فمن كَانَ يغلب عَلِيهِ الخوف والخشية ظهر لقلبه فِي الصلاة صفات الجلال من القهر والبطش والعقاب والانتقام ونحو ذَلِكَ، فيشهد النار ومتعلقاتها وموقف القيامة، كما كَانَ سَعِيد بْن عَبْد العزيز - صاحب الأوزاعي - يَقُول: مَا دخلت فِي الصلاة قط إلا مثلت لِي جهنم.
ومن كَانَ يغلب عَلِيهِ المحبة والرجاء، فإنه مستغرق فِي مطالعة صفات الجلال والكمال والرأفة والرحمة والود واللطف ونحو ذَلِكَ، فيشهد الجنة ومتعلقاتها، وربما شهد يوم المزيد وتقريب المحبين فِيهِ.
وقد روي عَن أَبِي ريحانة - وَهُوَ من الصَّحَابَة -، أَنَّهُ صلى ليلة، فما انصرف حَتَّى أصبح، وَقَالَ: مَا زال قلبي يهوى فِي الجنة وما أعد الله فيها

الصفحة 436