كتاب فتح الباري لابن رجب (اسم الجزء: 6)

من المأموم؛ لأن المأموم يحتاج إلى رفع بصره إلى إمامه، فإذا كَانَ عالياً عَلِيهِ احتاج إلى كثرة رفع بصره، وَهُوَ مكروه فِي الصلاة.
الحَدِيْث الثالث:
748 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل: حَدَّثَنِي مَالِك، عَن زيد بْن أسلم، عَن عَطَاء بْن يسار، عَن عَبْد الله بْن عَبَّاس، قَالَ: خسفت الشمس عَلَى عهد رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فصلى، قالوا: يَا رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رأيناك تناولت شيئاً فِي مقامك، ثُمَّ رأيناك تكعكعت؟ قَالَ: ((إني رأيت الجنة فتناولت مِنْهَا عنقوداً، ولو أخذته لأكلتم مِنْهُ مَا بقيت الدنيا)) .
قَالَ الخطابي: التكعكع التأخر، واصله فِي الجبن. كع الرَّجُلُ عَن الأمر إذا جبن وتأخر. وأصله: تكعع، فأدخل الكاف لئلا: يجمع بَيْن حرفين.
ويقال: كاع يكيع: مثله. انتهى.
وفي الحَدِيْث: دليل عَلَى أن رفع بصر المصلي إلى مَا بَيْن يديه، ومد يده لتناول شيء قريب مِنْهُ لا يقدح فِي صلاته.
وليس فِيهِ نظر المأموم إلى إمامه، إنما فِيهِ نظر الإمام إلى مَا بَيْن يديه، وقد تقدمت الإشارة إلى أن هَذَا النظر والتناول ليس هُوَ مَا يكره فِي الصلاة؛ لأنه نظر إلى الآخرة لا إلى الدنيا، ومد يده إلى العنقود كَانَ فِيهِ مصلحة دينية، ليري أصحابه بعض مَا وعدوا به عياناً فِي الجنة، لكنه أوحي إليه أن لا يفعل؛ فإنه كَانَ يصير الغيب شهادة، فتزول فائدة التكليف بالإيمان بالغيب.
وقوله: ((فتناولت مِنْهُ عنقوداً)) . يعني: أَنَّهُ مد يده يريد تناول العنقود،

الصفحة 440