كتاب فتح الباري لابن رجب (اسم الجزء: 6)

أئمتها جيرانها.
وحكي عَن الشَّافِعِيّ، أَنَّهُ يكره إعادة الجماعة فِي مساجد الدروب ونحوها دون مساجد الأسواق الَّتِيْ يكثر فيها تكرار الجماعات، لكثرة استطراق النَّاس إليها؛ دفعاً للحاجة.
ومتى لَمْ يكن للمسجد إمام راتب لَمْ يكره إعادة الجماعة فِيهِ عِنْدَ أحد من العلماء، مَا خلا الليث بْن سعد، فإنه كره الإعادة فِيهِ - أيضاً.
واستدل من لَمْ يكره الإعادة بحديث أَبِي سَعِيد الْخُدرِيَّ، قَالَ: جَاءَ رجلٌ وقد صلى رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: ((أيكم يتجر عَلَى هَذَا؟)) فقام رَجُل، فصلى مَعَهُ.
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي - وهذا لفظه، وَقَالَ: هَذَا حَدِيْث حسن - وابن خزيمة وابن حبان فِي ((صحيحهما)) والحاكم، وَقَالَ: صحيح الإسناد.
وقد قواه الإمام أحمد وأخذ بِهِ، وَهُوَ مشكل عَلَى أصله؛ فإنه يكره إعادة الجماعة فِي مسجد المدينة.
وقد اعتذر الإمام أحمد عَنْهُ من وجهين:
أحدهما: أن رغبة الصَّحَابَة فِي الصلاة مَعَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ متوفرة، وإنما كَانَ يتخلف من لَهُ عذر، وأما بعده فليس كذلك، فكره تفريق الجماعات فِي المسجدين الفاضلين توقيراً للجماعة فيهما.
والثاني: أن هَذَا يغتفر فِي الجماعة القليلة دون الكثيرة، ولهذا لَمْ

الصفحة 9