كتاب فتح الباري لابن رجب (اسم الجزء: 7)
وفيه: دليل على أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يرفع صوته بالقراءة في صلاة الليل.
والأحاديث المذكورة في الباب الماضي تدل على الجهر بالقراءة في المغرب؛ فإن عامة من روى عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القراءة في [المغرب] بسورة ذكر أنه سمعه يقرأ بها، وفي ذَلِكَ دليل الجهر.
والجهر بالقراءة في المغرب إجماع [المسلمين] رأياً وعملا به لم يزل المسلمون يتداولونه بينهم، من عهد نيبهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى الآن.
[وأدنى] الجهر: أن يسمع من يليه، هذا قول أصحابنا والشافعية وغيرهم.
وقد سبق عن ابن مسعود، قالَ: من أسمع أذنيه فلم يخافت، وهو يدل على أدنى الجهر: أن يسمع نفسه.
روى وكيع، عن سفيان، عن أشعت بن أبي الشعثاء، عن الأسود بن هلال، عن ابن مسعود، قالَ: لم يخافت من أسمع أذنيه.
ومنتهى الجهر: أن يسمع من خلفه إن أمكن ذَلِكَ من غير مشقة، وقد كانَ عمر بن الخطاب يسمع قراءته في المسجد من خارجه.
وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء:110] قالَ: نزلت ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متوار بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، سمع ذَلِكَ المشركون سبوا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، فقالَ الله لنبيه:
الصفحة 35
445