كتاب فتح الباري لابن رجب (اسم الجزء: 9)

فحكى أكثر أصحابنا المتقدمين عن أحمد في ذلك روايتين.
وأما القاضي أبو يعلى وأصحابه، فنزلوهما على حالين، قالوا: إن بأن منه حرفان فهو كلام مبطل الصلاة، وإلا فلا.
ولايعرف هذا التفصيل عن أحمد، ولاعن غيره ممن تقدم، سوى الشافعي وأصحابه، وهو قول أبي ثور.
واستدلوا بأن الكلام عند العرب ما دل على معنى، وأقله حرفان.
ولكن الكلام المقصود يدل على معناه الموضوع له بالوضع، ودلالة النفخ والتأوه ونحو ذلك إنما هوَ بالطبع لا بالوضع، فليس في شيء من ذَلِكَ حروف موضوعة للدلالة على معنى خاص.
وقال الحسن: إذا رأيت ما يريبك - يعني في الصَّلاة - فانفخ.
وهذا يدل على اباحته للحاجه إليه.
وروي - أيضا - مثله عن بعض الصحابة. وفي الباب: حديث مرفوع، عن أم سلمة، اختلف في إسناده ولفظه: فروي عنبسه بن الأزهر، عن سلمة بن كهيل، عن كريب، عن أم سلمة، قالت: مر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بغلام لهم وهو يصلي فنفخ في سجوده، فقالَ: ((لاتنفخ؛ إن من نفخ فقد تكلم)) خرجه النسائي. وهو مما تفرد به عنبسة هذا.
وقد قال فيه ابن

الصفحة 346