كتاب فضائل بيت المقدس - ابن الجوزي - ت عمرو عبد العظيم الحويني

وأقبَلَ (¬١) سَنْحَارِيْبُ ملكُ بابلَ، معه سِتُّ مِئةِ ألفِ رَايةً، حتَّى نزل حولَ بيتِ المَقدِس.
فقال شَعْيَا لسَنْحَارِيْبَ: «إنَّ اللهَ تعالَى قد أَوْحَى إليَّ أن آمُرَك أن تُوصِي وتَستَخلِفَ»، فأقبَلَ على القِبلَةِ، فصلَّى وتضرَّع، وقال: «[يا ربَّ شَعْيَا!] (¬٢) زِد في عُمرِي»، فأوحَى اللهُ إلى شَعْيَا أنَّ ربَّك قد رَحِمَهُ، وقد أخَّرَ أَجَلَهُ خمسَ عشرة سنةً، وأَنجَاهُ من عدُوِّهِ، فأصبَحَ جميعُ الأعداء مَوتَى، إلَّا خمسةً من كُتَّابه (¬٣) وسَنْحَارِيْبَ، في أَحدِهِم بُخت نَصَّرُ، فتَرَكُوا في أعناقهم الجَوَامِعَ، وطَافُوا بهم سَبعِينَ يومًا حولَ بيت المَقدِسِ.
ثمَّ آلَ الأَمرُ إلى أن قُتِل شَعْيَا.
ثمَّ صار مُلكُ بيتِ المَقدِسِ والشَّام لأشناسبَ بنِ لهواسبَ (¬٤)، وعامِلُهُ على ذلك كُلِّهِ: بُخت نصَّرُ (¬٥).
وأمَّا السَّبَبُ في قتلِهِم يحيى بن زكريَّا - عليهم السلام -، فإنَّ مَلِكَهم أراد
---------------
(¬١) قال الحافظُ ابنُ كَثيرٍ في «تفسيره» (٨/ ٤٣٨): «وقد وَرَدَت في هذا آثارٌ كثيرةٌ إسرائيليَّةٌ، لم أرَ تطويلَ الكِتابِ بذِكرِها؛ لأنَّ منها ما هو موضُوعٌ، من وضعِ زَنَادِقَتِهم، ومنها ما قد يحتمِلُ أن يكُون صحيحًا، ونحنُ في غُنيَةٍ عنها ولله الحمدُ. وفيما قصَّ اللهُ تعالى علينا في كتابه غُنيةٌ عمَّا سواه من بقيَّة الكُتُب قبله، ولم يُحوجنا اللهُ ولا رسولُهُ إليهم».
(¬٢) زيادةٌ من «م».
(¬٣) في «الأصل»: كنانة. والتَّصويب من «ن»، و «م».
(¬٤) في تاريخ الطَّبَرِيِّ (١/ ٣١٣): بشتاسب بن لهراسب.
(¬٥) أخرج هذا الأثرَ مُطوَّلًا: الإمام الطَّبَرِيُّ في «تفسيره» (١٤/ ٤٥٩ - ٤٦٣).

الصفحة 79