كتاب فضائل البيت المقدس - الواسطي

وَهذِهِ الرِّوايَةُ عن أَحدَاثٍ وَقعَت في السَّنةِ الخَامِسةَ عَشرَةَ لَلهِجرَةِ عَلَى الأَرجَحِ ـ قَبلَ أَن تَكُونَ لِبنِي أُمَيَّةَ دَولَةٌ وَفِي إِبَّانِ خِلَافَةِ عُمرَ - رضي الله عنه - ـ تُبَيِّنُ أَنّ المُسلِمينَ الأَوائِلَ كَانُوا يُدرِكونَ أَنّ الأَرضَ المُقدَّسةَ المَذكُورَةَ في القُرآنِ الكَريمِ هِيَ أَرضُ القُدسِ وَفِلسطِينَ.
وَيُورِدُ هَذَا المُؤرِّخُ نَفسُهُ ـ الوَاقِدِيُّ ـ في صَفَحَاتٍ لَاحِقةٍ مِن كِتابِهِ عَلَى لِسانِ أَبِي عُبيدةَ بنِ الجَراحِ ـ وَهُوَ مُحَاصِرٌ القُدسَ ـ في مَعرِضِ حِوارٍ لَهُ عن طَريقِ تُرجُمانٍ مَع نَاطِقٍ بِاسمِ الرُّومِ مِن القُدسِ تَحدَّثَ لِأبِي عُبيدَةَ عن قَدَاسَةِ المَدينَةِ عِندَ المَسيحِيينَ، قَولَهُ لِلتُّرجُمَانِ: «قُل لَهُم: نَعم. إِنّها [القُدسُ] شَريفةٌ، وَمِنهَا أُسرِيَ بِنَبِيِّنَا إِلَى السَّماءِ، وَدنَا مِن رَبهِ كَقَابِ قَوسَينِ أَو أَدنَى، وَأَنَّها مَعدِنُ الأَنبِيَاءِ، وَقُبورُهُم فِيهَا، وَنَحنُ أَحَقُّ مِنكُم بِهَا» (¬١).
أَمّا وَصفُ مُعاوِيَةَ لِفِلسطِينَ بِأنَّها أَرضٌ مُقَدّسةٌ، وَبِأنَّها أَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ، فَقد رَواهُ ابنُ الفَقيهِ كَمَا يَلِي: «قَالَ المَدَائِنِيُّ: قَدمَ وَفدٌ مِن العَراقِ عَلَى مُعاوِيةَ بنِ أَبي سُفيَانَ فِيهِم صَعصَعةُ بنُ صُوحَانَ العَبدِيُّ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «مَرحَبًا بِكم وَأهلًا! قَدِمتُم عَلَى خَيرِ خَليفَةٍ، وَهُو جُنّةٌ لَكُم، وَقَدِمتُم الأَرضَ المُقدّسَةَ، وَقَدِمتُم أرضَ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ، وَقَدِمتُم أَرضًا بِهَا قُبورُ الأَنبِيَاءِ» (¬٢).
وَأَرضُ المَحشَرِ وَالمَنشَرِ، المَقصُودُ بِهَا فِلسطِينُ، وَمدِينَةُ القُدسِ بِالذَّاتِ، إِنّمَا عُرفَت بِهذَهِ الصِّفَةِ عِندَ المُسلِمينَ الأَوائِلِ مِن خِلَالِ آيةٍ قُرآنِيّةٍ في سُورَةِ
_________
(¬١) «فتوح الشام» للواقدي (١/ ٢٣٤).
(¬٢) انظر: «كتاب البلدان» تأليف أبي بكر بن محمد الهمذاني المعروف بابن الفقيه، ط. ليدن ١٩٦٧ (ص: ١١٥).

الصفحة 73