كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 1)

(وَبَعْضُ) أهلِ (¬1) (الغَرْبِ مَعْ) حافظِ عصرِهِ (أَبِي عَلِيٍّ) الحسينِ بنِ عَلِيٍّ النَّيْسَابوريِّ (¬2)، شيخِ الحاكمِ (فَضَّلُوا ذَا) أي: صحيحَ مسلمٍ عَلَى صحيحِ البخاريِّ (¬3)، لَكِنْ (لَوْ نَفَعْ) تفضيلُهم لقُبِلَ مِنْهُمْ، لكنَّهُ لَمْ ينفعْ؛ لِعَدمِ تصريحِهِم بالتفضيلِ - وإن كَانَ كلامُهم ظاهراً فِيهِ عُرفاً - ولأنَّ البُخَارِيَّ اشتَرطَ في الصِّحةِ اللُّقِيَّ (¬4)، وَمُسْلِمٌ اكتَفَى بالمعاصرةِ، وإمكان اللُّقِيِّ، ولاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ عَلَى أنَّ البُخَارِيَّ أجلُّ مِنْهُ، وأَعْلمُ مِنْهُ بصناعةِ الحَدِيثِ، مَعَ أنَّ مُسلماً تلميذُهُ، حَتَّى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ((لولا البخاريُّ لما راحَ مسلمٌ، ولا جاءَ)) (¬5). وَقِيلَ: هُما سَوَاءٌ (¬6). وَقِيلَ: بالوقف. وبالجملةِ فكتاباهُما أصحُّ كُتبِ الحَدِيثِ.
وأمَّا قولُ الشافعيِّ: ((مَا عَلَى وجهِ الأرضِ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ تعالى أصحُّ من كتابِ مالكٍ)) (¬7) فذاكَ قبلَ وجودِهِما (¬8).
¬__________
(¬1) هو ابن حزم، كما حكاه القاضي عياض في " إكمال المعلم "، عن أبي مروان الطبني قال:
((كان بعض شيوخي يفضل صحيح مسلم، عن صحيح البخاري)) قال ابن حجر: ((وعندي أنّ ابن حزم هذا هو شيخ أبي مروان الطبني، الذي أبهمه القاضي عياض، وقال: قرأت في فهرسة أبي محمد القاسم بن القاسم التجيبي قَالَ: كَانَ أبو محمّد بن حزم يفضل كِتَاب مُسْلِم عَلَى كِتَاب البخاريّ؛ لأنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث السرد)). انظر: إكمال المعلم 1/ 80، وهدي الساري: 12 - 13.
(¬2) انظر: السير 16/ 51 - 59.
(¬3) حاول بعض العلماء توجيه هذا الكلام. انظر: صيانة صحيح مسلم 69 وسير أعلام النبلاء 16/ 55، وهدي الساري 12، والنّزهة 86، وتدريب الراوي 1/ 93 - 95.
(¬4) وهذا المعنى من أقوى مرجحات صحيح البخاري على صحيح مسلم، وانظر تفصيل ذلك في النكت لابن حجر 1/ 286 - 289، وهدي الساري 11 - 13.
(¬5) انظر: تاريخ بغداد 13/ 102، وتدريب الراوي 1/ 93.
(¬6) قال ابن الملقن: ((ورأيت لبعض المتأخرين حكاية قول ثالث وهو أنهما سواء، ولم يعزه لأحد))، والمقنع 1/ 60.
(¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 92، وقول الشافعي: أسنده ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل 1/ 12، والبيهقي في آداب الشافعي 195، وابن حبان في المجروحين 1/ 41. وانظر: التمهيد 1/ 77.
(¬8) ولذلك قال ابن حجر: ((واعلم أن الشافعي إنما أطلق على (الموطأ) أفضلية الصحة، بالنسبة إلى الجوامع الموجودة في زمنه: كجامع سفيان الثوري، ومصنف حماد بن سلمة، وغير ذلك، وهو تفضيل مسلم لا نزاع فيه))، انظر: هدي الساري: 10.

الصفحة 107