كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 1)

(عَلَى امتنانٍ) مِنْهُ - تعالى - عليَّ. مأخوذٌ من ((المنَّة))، وَهِيَ النِّعْمَةُ. وَقِيلَ: النعمةُ الثقيلةُ.
وتطلقُ المنَّةُ عَلَى تَعْدادِ (¬1) النِّعَمِ، بأنْ يقولَ المُنْعِمُ لمَنْ أنْعَمَ عَلَيْهِ: فعلتُ مَعَكَ كَذَا وكذا.
وَهُوَ في حقِّ اللهِ - تعالى - صَحِيْحٌ، وفي حقِّ العبدِ قبيحٌ؛ لقولهِ تَعَالَى:
{لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بالْمَنِّ والأَذَى} (¬2).
وتنكيرُ امتنانٍ للتكثيرِ والتعظيمِ. أي: امتناناتٍ كثيرةٍ عظيمةٍ منها: الإلهامُ لتأليفِ هَذَا الكتابِ والإقدارِ عَلَيْهِ، و (عَلَى امتِنَانٍ (¬3)) صِلةُ (حمدِ).
وإنَّما حُمِدَ عَلَى الامتنانِ، أي: في مقابلتِهِ لا مطلقاً؛ لأنَّ الأوَّلَ واجبٌ والثاني مَنْدوبٌ.
ووصفَ الامتنانَ بما هُوَ شأنهُ فَقَالَ: (جَلَّ) أي: عَظُمَ. (عَنْ إحصاءِ) أي: ضبطٍ بالعدِّ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصَوهَا} (¬4).
(ثُمَّ) بَعْدَ (صلاةٍ) وهِيَ من اللهِ: رَحمةٌ، ومِنَ الملائكةِ: استغفارٌ، ومن الآدمي: تضرُّعٌ ودعاءٌ (¬5). (وسلامٍ) أي: تسليمٍ (دائمِ)، كلٍّ منهما (عَلَى نبيِّ الخيرِ) الجامعِ لكُلِّ محمودٍ دنيويٍّ، وأخرويٍّ (ذي المرَاحمِ) جَمْعُ ((مَرْحَمَةٍ))، وَهِيَ (¬6) بمعنى: الرحمةِ (¬7).
ففي خبرِ مسلمٍ: ((أنَا نَبِيُّ الْمَرْحَمَةِ)). وفي روايةٍ: ((الرَّحْمَةِ))، وفي روايةٍ:
((الْمَلْحَمَةِ)) (¬8). وَهِيَ المعركةُ، والمرادُ بها القتالُ.
¬__________
(¬1) في (ص) و (ق) و (م): ((تعديد))، المثبت من (ع). وانظر التاج 8/ 353.
(¬2) البقرة: 264.
(¬3) ((امتنان)) ساقطة من (ع) و (م).
(¬4) إبراهيم: 34.
(¬5) انظر: تفسير الطبري 12/ 43، والدر المنثور 6/ 646.
(¬6) المثبت من (م) وأشار محققها إلى أنها موجودة في إحدى نسخه. وقد سقطت من أصولنا.
(¬7) قارن بـ ((شرح صَحِيْح مُسْلِم 5/ 114)).
(¬8) الذي في صَحِيْح مُسْلِم 7/ 90 (2355) من حَدِيث أبي موسى الأشعري، قَالَ: كَانَ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يسمي لَنَا نَفْسه أسماء، فَقَالَ: ((أنا محمّد، وأحمد، والمقفى، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة)). =

الصفحة 89