كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 2)

فَقَدْ قَالَ الإمامُ مَالِكٌ: ((مَنْ رفعَ صَوْتَهُ عِنْدَ حَدِيْثِهِ - صلى الله عليه وسلم - فكأنَّمَا رفع صَوتَهُ فَوْقَ صَوْتِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1).
(واجلسْ) حينئِذٍ متوجه (¬2) القبلةَ (بأدَبْ، وَهَيْبَةٍ) أي: مَهابةٍ وإجْلالٍ (بِصَدْرِ مَجْلِسٍ) تحدِّثُ فِيْهِ، بَلْ وعلى فراشٍ يخصُّك، أَوْ مِنْبَرٍ. وكلُّ ذَلِكَ عَلَى سبيلِ النَّدْبِ تعْظِيماَ لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.
(وَهَبْ (¬3) لَمْ يُخلصِ النِّيةَ طَالِبُ فَعُمْ) أي: واحْسبْ واعددْ أنَّ الطَّالِبَ لَمْ يُخلصِ النِّيةَ بقرائِنَ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ، فَلا تَمْتَنِعْ مِن تَحْدِيثِهِ، بَلْ عُمَّ كُلَّ طَالِبِ عِلْمٍ (¬4) ندباً (¬5).
فعنِ الثَّورِيِّ أنَّهُ قَالَ: ((ما كَانَ في النَّاسِ أفْضَلُ مِنْ طَلَبَةِ الْحَدِيْثِ)). فقيلَ لَهُ: ((يطلُبُونَهُ بغَيرِ نِيَّةٍ)). فَقَالَ: ((طَلْبُهُم لَهُ نيةٌ)) (¬6).
وعن حبيبِ بنِ أَبِي ثابِتٍ، وَمَعْمَرِ بنِ رَاشِدٍ، أنَّهُمَا قالا: ((طلبْنَا الْحَدِيْثَ وَمَا لَنَا فِيْهِ نيَّةٌ، ثُمَّ رزقَ اللهُ تَعَالَى (¬7) النِّيةَ بَعْدُ)) (¬8).
¬__________
(¬1) الجامع 1/ 406 (961)، وانظر: تفسير الطبري 26/ 74، والدّر المنثور 7/ 547.
(¬2) في (م): ((متوجهاً)).
(¬3) هب: فعل أمرٍ من (وهب)، يقال: هبني فعلت أي: احسبني واعددني، وهي كلمةٌ للأمر فقط تنصب مفعولين. والمراد: أي احسب واعدد أنّ الطالب لم يخلص النيّة بقرائن دلّت على ذلك. انظر: اللسان 1/ 605، والتاج 4/ 367 (وهب).
(¬4) لم ترد في (ص).
(¬5) قال الخطيب الحافظ: ((والذي نستحبه أن يروي المحدّث لكل أحد سأله التحديث ولا يمنع أحداً من الطلبة)). الجامع لأخلاق الرّاوي 1/ 339 عقب (770).
(¬6) رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل: 183 (40) من طريق عبد الصمد بن حسان عن سفيان. ورواه الخطيب في الجامع 1/ 339 (771) من طريق ابن مهدي عن سفيان.
(¬7) لم ترد في (م) و (ص).
(¬8) الرّواية عنهما عند الخطيب في الجامع لأخلاق الرّاوي1/ 339 (773) و (774). قال الزركشي: ((قال الغزالي في الإحياء: هذه كلمة اعتبرها قوم في تعلم العلم لغير الله ثمّ رجوعهم إلى الله، قَالَ: وإنما العلم الّذي أشار إليه هَذَا القائل هُوَ علم الحديث وتفسير القرآن ومعرفة سير الأنبياء عليهم السلام والصحابة رضي الله =
= تَعَالَى عنهم، فإن فيه التخويف والتحذير، وهو سبب لإثارة الخوف من الله تعالى، فإن لم يؤثر في الحال أثر في المآل، فأما الكلام والفقه المجرد الّذي يتعلق بفتاوى المعاملات وفصل الخصومات-المذهب منه والخلاف- فلا يرد الراغب فيه للدنيا إلى الله تعالى. بل لا يزال متمادياً في حرصه إلى آخر عمره)). نكت الزركشي3/ 643.

الصفحة 100