كتاب فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (اسم الجزء: 2)
(ثُمَّ إنْ تَكْثُرْ جُمُوعٌ) مِنَ الْحَاضِرينَ (فاتَّخِذْ) وجوباً (مُسْتَمليا) يتَلَقَّنُ مِنْكَ للاحْتِياجِ إِلَيْهِ، بِخِلافِ مَا إِذَا قَلَّتْ، (مُحصِّلاً ذا يَقْظَةٍ) -بإسْكانِ القَافِ للوزنِ-، أي: مُتَيَقِّظاً بارِعاً في الفَنِّ اقتداءً بأئِمَّةِ الْحَدِيْثِ، كمالِكٍ، وشُعْبَةَ، ووكيعٍ، وأبِي عاصمٍ (¬1).
وروى أَبُو داودَ وغيرُهُ من حَدِيْثِ رافِعِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ النَّاسَ (¬2) بِمِنَى حِيْنَ ارْتَفَعَ الضُّحَى عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَعَليٌّ - رضي الله عنه - يُعَبِّرُ عَنْهُ)) (¬3).
فإنْ تَكَاثرَ الْجَمْعُ، بِحَيثُ لا يَكْفِي واحِدٌ فَزِدْ بِحسبِ الْحَاجَةِ، فَقَدْ أمْلَى أَبُو مُسْلِم الكَجِّيُّ في ((رَحْبَةِ غَسَّانَ)) (¬4)، وَكَانَ في مَجْلِسِهِ سبعةُ مُسْتَمْلِينَ، يُبَلِّغُ كُلٌّ مِنْهُمْ صاحبَهُ الَّذِي يَلِيهِ (¬5).
وَخَرَجَ بالْمتيقِّظِ: الْمغَفَّلُ كمستَمْلِي يَزيدَ بنِ هَارُونَ، حَيْثُ قَالَ لَهُ يَزيدُ: حَدَّثَنَا عِدَّةٌ. فَقَالَ: عدَّةُ ابنُ مَنْ؟ فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: عدةُ ابنُ فقدتُّكَ (¬6).
ويندبُ أنْ يَكُوْنَ جَهُوْرِيَّ الصَّوْتِ، (مُسْتَوِيا) أي: جالِساً (بـ) مكَانٍ (عَالٍ)، كَكُرْسيٍّ (¬7)، (اوْ) (¬8) -بالدرجِ- (فَقَائِماً) -عَلَى قَدَمَيْهِ- كابنِ عُلَيَّةَ، بِمَجْلِسِ
¬__________
(¬1) انظر: الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 55 - 56.
(¬2) ساقطة من (م).
(¬3) أخرجه أبو داود (1956)، والنسائي في الكبرى (4094) كلاهما عن مروان، عن هلال بن عامر المزني، قال حدّثني رافع بن عمرو المزني، به.
(¬4) رحبة: - بالفتح - الموضع المتسع بين أفنية البيوت. قال في المراصد 2/ 608: ((والرحاب كثيرة)). والذي يظهر أن هذا الموضع ساحة عامة تنسب إلى رجلٍ يدعى غسان، ولم نتحقق موضعها الآن.
(¬5) انظر: تاريخ بغداد 6/ 121 - 122، والجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 53 (1160)، وأدب الإملاء والاستملاء: 96.
(¬6) الجامع لأخلاق الرّاوي 2/ 66 - 67 (1201)، وأدب الإملاء والاستملاء: 89 - 90. واسم هذا المستملي: بربخ.
(¬7) قيّد ابن السمعاني ذلك بما إذا كثر عدد من يحضر السماع، وكانوا بحيث لا يرون وجه المستملي، فيستحب أن يجلس على منبر أو غيره حتّى ترى الجماعة وجهه ويبلغهم صوته. وانظر: أدب الإملاء: 50، ونكت الزركشي 3/ 650.
(¬8) في (م): ((أَوْ)) بإثبات الهمزة، وهو ذهول.
الصفحة 109